الأكثر مشاهدة

الصحة النفسية في المغرب.. أرقام مرعبة وحلول متأخرة

 من مدينة بن حمد، خرجت جريمة دامية لتوقظ الذاكرة الوطنية من سباتها، جريمة لم تكن مجرد حادث معزول، بل مرآة مشروخة لواقع مأزوم: واقع الصحة النفسية في المغرب. الجاني لم يكن مجرد «مجرم»، بل مريض نفسي سبق أن دخل مستشفى الأمراض العقلية أكثر من مرة، ثم خرج.. بلا تأهيل، بلا متابعة، بلا ضمانة لسلامته أو سلامة الآخرين.

هي ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة،.. ما دامت منظومة الصحة النفسية في المغرب تعاني من قصور مزمن يختبئ خلف الجدران العالية للمؤسسات، ويغفل في خضم انشغال السياسات العامة بمعارك أخرى.

ما وقع في بن حمد لم يكن صدمة لأهل المدينة فقط،.. بل جرس إنذار جديد يقرع بعنف في وجه الدولة والمجتمع: أين يذهب المرضى العقليون بعد مغادرتهم المستشفيات؟ من يراقب أوضاعهم؟ من يحميهم من أنفسهم أو من المحيطين بهم؟ الإجابة تأتي مؤلمة: لا أحد.

- Ad -

تتحول شوارع المدن إلى فضاء مفتوح لتيه هؤلاء المرضى،.. بعضهم يتحول إلى خطر حقيقي، وبعضهم الآخر يداس في صمت، بلا مأوى ولا دواء. كأن المجتمع قرر أن يدير ظهره، وأن يكتفي بالمشاهدة.

استراتيجية على الورق وأرواح في خطر

بعد إغلاق فضاء “بويا عمر”،.. الذي كان رغم تجاوزاته يشكل مأوى لفئات واسعة من المرضى، لم تقم الدولة بتقديم بدائل ملموسة. مرت سنوات، وها نحن أمام واقع يزداد هشاشة. هذا ما دفع عددا من المستشارين إلى دق ناقوس الخطر داخل قبة البرلمان،.. مستحضرين مأساة بن حمد كعلامة دامغة على فشل المقاربة الرسمية.

الوزير أمين التهراوي لم يتأخر في الرد،.. فأعلن عن قرب إطلاق استراتيجية وطنية جديدة للصحة النفسية والعقلية. لكن، إلى أي حد ستكون هذه الاستراتيجية مختلفة؟ وهل نملك ما يكفي من الوسائل لإنقاذ المرضى قبل أن ينفجروا في وجوهنا؟

بعض الأرقام تكفي لتشكيل صورة قاتمة: 2260 سريرا فقط مخصصة للطب النفسي على مستوى المملكة، بمعدل 6.64 سرير لكل 100 ألف نسمة. أما عدد الأطباء النفسيين فلا يتجاوز 655، منهم 37 فقط في القطاع العام! هذه الأرقام لا تحتاج إلى تعليق، بل إلى خطة إنقاذ وطني.

الوزارة خصصت 123 منصبا جديدا في محاولة للتدارك،.. وأعلنت عن مضاعفة جهود التكوين والتأهيل. ولكن، هل تكفي هذه المسكنات أمام جرح مفتوح يتسع كل يوم؟

مقالات ذات صلة