بهدوء تام، خطت إحدى كبريات المجموعات الصناعية العالمية خطواتها الأولى نحو المغرب، معلنة بذلك بداية مسار استثماري محتمل قد يعيد تشكيل موازين صناعة بطاريات الليثيوم في المنطقة. يتعلق الأمر بمجموعة “سي إن جي آر” الصينية المتخصصة في المواد الأولية للبطاريات، والتي أدرجت المغرب ضمن خريطتها الاستراتيجية من خلال تأسيس شركة فرعية جديدة تحت اسم “سي إن جي آر المغرب لتكنولوجيا الطاقة الجديدة”.
الفرع المغربي، الذي تم تأسيسه في السادس والعشرين من دجنبر سنة 2022، يتخذ من منطقة “أنفا بلايس” وسط مدينة الدار البيضاء مقرا له، ويبلغ رأسماله المصرح به عشرة ملايين درهم مغربي. هذه المعطيات لم يتم الكشف عنها عبر القنوات الرسمية المغربية، وإنما وردت ضمن التقرير السنوي للمجموعة، الذي تم رفعه إلى هيئة البورصة بمدينة شينزين الصينية، وفقا لوثائق اطلعت عليها مصادر إعلامية.
ورغم أن هذه الشركة الفرعية لم تحقق بعد أي رقم معاملات أو نتائج مالية، ولم تباشر أي استثمارات عقارية أو إنتاجية بالمغرب، إلا أن إدراجها ضمن البنية الدولية للمجموعة يكشف توجها مدروسا نحو التموقع الجغرافي الاستراتيجي في القارة الإفريقية، وبالقرب من السوق الأوروبية. التقرير يشير أيضا إلى أن أصول الشركة الصينية بالمغرب بلغت قرابة أحد عشر مليونا وخمسمائة ألف درهم، صنفت ضمن “الديون الأخرى”، ما يرجح احتمال وجود عقود تمهيدية أو التزامات مالية قيد الإعداد.
من تكون المجموعة الصينية العملاقة “سي إن جي آر”؟
تعد “سي إن جي آر” الفاعل الأول عالميا في مجال تصنيع مواد “إن سي إم” و”إن سي آي”، بنسبة استحواذ بلغت 20.3 بالمئة خلال سنة 2024، متفوقة على منافسيها من كوريا الجنوبية واليابان. كما تحتكر 28 بالمئة من السوق العالمي لمواد “أكسيد الكوبالت الرباعي”، الحيوية في صناعة بطاريات الأجهزة الإلكترونية ذات الجهد العالي.
وإلى جانب نشاطها في المواد الكوبالتية، توسع المجموعة الصينية استثماراتها في مواد أخرى مثل الفوسفات والمعادن الصوديومية، ضمن منظومة صناعية متكاملة تمتد عبر الصين وإندونيسيا وكوريا الجنوبية، وها هي اليوم تفتح بابا نحو المغرب.
استراتيجية “سي إن جي آر” تعتمد على التحول من مجرد إنتاج المواد نحو بناء منظومة صناعية دائرية ومغلقة، تشمل حتى إعادة تدوير البطاريات المستعملة، بفضل تقنية متقدمة لمعالجة “الكتلة السوداء”، ما يضمن معدلات استرجاع عالية للمعادن النادرة.
ورغم أن الحضور الصيني لا يزال في مرحلته التحضيرية، إلا أن المراقبين لا يستبعدون تحوله مستقبلا إلى منصة لوجيستيكية أو إنتاجية توجه نحو إفريقيا وأوروبا، خصوصا في ظل السباق العالمي على المعادن الاستراتيجية وممرات الطاقة البديلة.
ويبقى السؤال مفتوحا: هل ستكتفي “سي إن جي آر” بالبقاء في حالة ترقب ومتابعة، أم أن المغرب سيكون جزءا من سلسلة إنتاجها العملاقة؟ وهل ستستفيد المملكة من هذه الفرصة، خاصة في ظل توجهها نحو تطوير الصناعات المرتبطة بالطاقات النظيفة والبطاريات المستدامة؟
الأسابيع القادمة قد تحمل مؤشرات أوضح، ولكن الأكيد أن أنظار القوى الصناعية العالمية بدأت تتركز بشكل أكبر على المغرب كمحور اقتصادي صاعد في الساحة الجيوصناعية الدولية.