تسارعت وتيرة التحذيرات البيئية في الأيام الأخيرة بعد تداول واسع لمقاطع مصورة توثق وجود أسراب من الجراد الرحال في مناطق مختلفة من جنوب المملكة. الصور القادمة من محيط محاميد الغزلان جنوب زاكورة، ومن ضفاف وادي درعة، وأجزاء من إقليم طاطا، أظهرت بشكل واضح وجود حشرات بالغة في وضع فردي، لكن بكثافة غير مسبوقة في هذه الفترة من السنة.
ورغم هذا الانتشار الظاهري، تؤكد السلطات المختصة أن الوضع ما يزال تحت السيطرة، مشيرة إلى أن هذه الحشرة لا تزال في طورها الفردي دون علامات على دخولها مرحلة “التحول الجماعي”، وهي المرحلة التي تمثل الخطر الحقيقي.
الأمطار تعيد دورة الجراد للحياة
العامل الطبيعي الأساسي وراء هذا التحرك المفاجئ للجراد هو التساقطات المطرية التي عرفها الجنوب الشرقي خلال الأشهر الماضية، خصوصا إلى غاية ماي 2025. هذه الظروف المناخية خلقت بيئة مثالية لعملية التكاثر الربيعي، وهو ما تم توثيقه ميدانيا في أكثر من منطقة.
تقرير رسمي كشف أن فرق المركز الوطني لمحاربة الجراد تعاملت خلال أبريل 2025 مع مساحة تقدر بـ1785 هكتارا، منها 600 هكتار عن طريق التدخلات الجوية، خاصة بوادي درعة ومنطقة زيز-غريس، إضافة إلى بعض بؤر الجهة الشرقية.
تشير المعطيات إلى أن أكبر تركيز للنشاط التناسلي للجراد تم تسجيله في الجنوب الغربي لمرزوكة، والجنوب الغربي لزاكورة، فضلا عن الجنوب الشرقي لطاطا. تم رصد جماعات بالغة في وضعية تزاوج، بالإضافة إلى مجموعات يرقات موزعة على نطاق واسع من فم الحصن إلى زاكورة.
في الفترة الممتدة من 1 إلى 19 ماي 2025، سجلت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) 56 موقعا لوجود جراد بالغ في طور فردي و46 موقعا ليرقات، لكن دون ظهور جماعات متكتلة أو مراحل جماعية متقدمة، وهو مؤشر إيجابي مبدئيا.
المقارنة مع بلدان الجوار تثير القلق
وإن كانت السلطات المغربية ترى أن الوضع لا يزال مسيطر عليه، فإن التقارير الإقليمية تسلط الضوء على وضع أكثر تعقيدا لدى الجيران، خصوصا الجزائر وتونس.
الجزائر واجهت في أبريل 2025 نشاطا مكثفا للجراد في مناطقها الصحراوية، مع تسجيل 66 بؤرة من الجماعات اليرقية إلى غاية ماي، ما يرفع احتمالية انتقال العدوى إلى مناطق مجاورة.
في تونس، تفيد المعطيات بظهور 123 مجموعة من اليرقات الجماعية خلال النصف الثاني من أبريل، ما يعني أن البلاد دخلت فعليا في موجة خصبة من انتشار الحشرة.
أما موريتانيا، فقد بدأت ترصد ظهور جراد بالغ في نهاية أبريل، وهو ما يمكن تفسيره بانتقال موسمي من مناطق المغرب نحو نطاق الساھل بعد انتهاء فترة الركود الربيعي.
متى تتحول المؤشرات إلى تهديد حقيقي؟
بحسب مختصين، فإن المرحلة الأخطر تبدأ حين تظهر دلائل على التحول الجماعي، أي عندما تبدأ الحشرات في التجمع والتحرك في أسراب ضخمة، وهو ما لم يتم تسجيله بعد في المغرب. غير أن ارتفاع درجات الحرارة واستمرار الظروف البيئية الملائمة قد يغير المعطيات في أي لحظة.
لهذا تواصل فرق اليقظة البيئية عملها في الميدان، مدعومة بالخبرات الوطنية والدولية، لتفادي أي تحوّل من السيطرة الوقائية إلى مواجهة مفتوحة مع كارثة زراعية محتملة.
المغرب في مواجهة جراد غير مرئي.. المعركة بدأت من الآن
رغم محدودية الظاهرة حاليا، فإن حجم التحرك الاستباقي الذي تقوم به الجهات المغربية يكشف عن إدراك مبكر لخطورة السيناريوهات المقبلة، خاصة في ظل دينامية التكاثر وحجم التهديد القادم من بلدان الجوار.
السؤال المطروح الآن: هل يكفي التحرك الحالي لتفادي الأسوأ، أم أن الطبيعة ستفاجئنا بتقلبات لا يمكن صدها؟ الوقت وحده كفيل بالإجابة.