تشهد مدينة برشيد وضواحيها منذ أسابيع تحركا غير مسبوق تقوده السلطات المحلية ضد مخالفات البناء والتعمير، في خطوة وصفت بأنها بداية “تنقية شاملة” لما راكمته سنوات من التغاضي والتواطؤ، خاصة في الفترات التي سبقت الحركية الإدارية الأخيرة بوزارة الداخلية.
مع تعيين جمال خلوق عاملا جديدا على إقليم برشيد، باشرت السلطات الإقليمية مراجعة ملفات تعمير تعود لفترة سلفه نور الدين أوعبو، حيث تم رصد عدد كبير من المخالفات التي تتراوح بين تشييد مبانٍ دون ترخيص قانوني وتجاوز مساحات البناء المسموح بها، خاصة في مشاريع لفلل ومنازل فاخرة شيدت بمحاذاة طرق إقليمية وجهوية.
وفق معطيات دقيقة، فقد وجّه العامل الجديد تعليمات صارمة لرؤساء الدوائر والباشوات والقياد، تدعو إلى التعامل بصرامة مع كافة المخالفات دون اعتبار للصفة أو الانتماء السياسي. وقد باشرت السلطات تنفيذ عمليات هدم واسعة استهدفت مخازن ومبانٍ غير قانونية، بعضها يعود لمسؤولين منتخبين، من بينهم رئيس جماعة قروية بدائرة الكارة ونائب برلماني وعضو بمجلس جهة الدار البيضاء-سطات، إضافة إلى رئيس جماعة بمنطقة ساحل أولاد احريز.
ضمن الحملة ذاتها، شملت قرارات الهدم أيضا إسطبلات فاخرة تابعة لفيلة يملكها رجل أعمال وبرلماني سابق، فيما شرعت السلطات في التحقق من وضعية عقار جديد بدوار شرقاوة بجماعة أولاد زيان، في ملكية رئيس جماعة حضرية معزول بقرار قضائي ما يزال قيد الطعن أمام محكمة النقض.
ووفق نفس المصادر، فقد تقرر إعفاء رئيس مصلحة العمل الاجتماعي بعمالة الإقليم، على خلفية شبهات تدبير غير شفاف لتمويلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
الطائرات بدون طيار تكشف المستور
ما ميز هذه الحملة، أن السلطات استعانت بتكنولوجيا المراقبة الجوية عبر الدرون، حيث تم رصد توسعات عمرانية غير قانونية لم تشملها محاضر المعاينة السابقة. وقد تم مطابقة الصور الجوية مع سجلات رخص البناء وإعادة التأهيل، لتحديد حجم المخالفات التي لم يتم التبليغ عنها.
الصور الجوية أظهرت تناقضات بين الواقع والمصرح به إداريا، ما فتح الباب أمام مراجعة شاملة لسجلات البناء ببعض الجماعات، مع احتمال توسيع التحقيق ليشمل مسؤولين إداريين محليين.
تؤشر هذه التطورات على توجه حازم من وزارة الداخلية، يهدف إلى فرض الانضباط على قطاع التعمير، خاصة في المناطق المتاخمة للمدن الكبرى كبرشيد، والتي عرفت خلال السنوات الماضية انفلاتًا عمرانيا مستفحلا.
المعركة ضد الفساد العمراني انطلقت، ويبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الهدم والمحاسبة والتفكيك التدريجي لشبكات المصالح المتقاطعة بين السياسة والمال والنفوذ الترابي.