الأكثر مشاهدة

“لابوبو”.. ترند يلهي الكبار، ويعري خواء العقول في زمن السوشيال ميديا

في زمن تشحن فيه الموضات بلمعان الترفيه وتسوق القيم عبر علب مغلقة، نجحت دمية غريبة الشكل تدعى “لابوبو” في إثارة موجة استهلاكية حادة اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي وأسواق المغرب، وتجاوزت حدود المنطق في اقتناء ما يفترض أنه “لعبة”.

بعيون متسعة وأسنان بارزة وابتسامة ساخرة، اقتحمت هذه الدمية الرفوف الإلكترونية والمتاجر المحلية، بعد أن أطلقتها شركة صينية تدعى “بوب مارت” ضمن ما يسمى بـ”الصندوق الأعمى”، وهي تقنية تسويقية لا يدرك الزبون بموجبها محتوى ما يشتريه إلا بعد فتحه، وكأنه يدخل تجربة تشبه المقامرة.

من الصين إلى قلوب المستهلكين.. عبر بوابة التقليد الأعمى

تروج “لابوبو” كمنتج ثقافي فني، وقد اكتسبت شهرة عالمية بعد أن ظهرت بين أيدي نجمات مثل ريهانا ودوا ليبا وليزا من “بلاك بينك”، لتنتقل عدوى التقليد سريعا إلى المغرب، حيث تحولت إلى زينة للمكاتب، وهدايا المناسبات، بل وحتى رمزا لما يسمى “الذوق العصري الغريب”.

- Ad -

لكن خلف هذه “اللطافة المزيفة”، يكمن هوس جماعي مقلق، يسير فيه المستهلك المغربي ضمن موجة دولية من التقليد دون تمحيص، ودون طرح سؤال بسيط: لماذا نشتري؟ وما الحاجة إلى دمية سعرها يتجاوز أحيانا 1500 درهم؟

أوضح عبد الله بن طالب، مستورد ألعاب من درب عمر، أن الإقبال على دمى “لابوبو” شهد ارتفاعا كبيرا منذ شهر ونصف، وأن بعض النسخ الإسبانية تجاوز سعرها 350 درهما سابقا، قبل أن ينخفض إلى حدود 200 درهما.

ويؤكد تجار آخرون أن الزبناء لا يقتصرون على الأطفال،.. بل إن بعض الراشدين يترددون مرارا لشراء “الصندوق الأعمى”،.. أملا في الظفر بنسخة نادرة يعاد بيعها بمبالغ خيالية في مزادات إلكترونية.

هل نحن أمام ظاهرة استهلاكية أم اضطراب جماعي؟

يرى خبراء أن موجة “لابوبو” ليست مجرد لعبة عابرة،.. بل تكشف عن خلل عميق في أنماط الاستهلاك المرتبطة بالمظاهر والترندات، حيث يغيب العقل لصالح الانبهار اللحظي،.. وتستنزف الجيوب في شراء دمى لا تحمل سوى قيمة رمزية وهمية.

المفارقة أن هذه الموجة تواكبها طفرة اقتصادية هائلة لصالح الشركة الصينية الأم، “بوب مارت”،.. التي تضاعفت أسهمها ثلاث مرات، وتوقعت أرباحا تفوق 27 مليار دولار مع نهاية 2025،.. بينما يزداد الإقبال الجنوني على منتج قد لا يحمل أكثر من بضع غرامات من البلاستيك المصبوغ!

سؤال الوعي.. أين يقف الحد بين الشغف والفراغ؟

أمام مشاهد “فتح الصندوق” على تيك توك، والهلع الجماعي لامتلاك نسخة “سيكريت” النادرة،.. يبدو أن المجتمع يقترب من لحظة حرجة، حيث يصبح الاستهلاك بديلا عن المعنى، والترند بديلا عن الذوق،.. والاقتناء المتكرر وسيلة لتعويض فراغ داخلي لا تملؤه دمية، ولا حتى ألف “لابوبو”.

في نهاية المطاف، يظل السؤال قائما: متى نكسر هذا السلوك القطيعي؟ ومتى يتوقف المستهلك المغربي عن الجري خلف كل ما يقدم له بلمعان “العالمية”، ولو كان مجرد وهم داخل صندوق بلاستيكي مغلق؟

مقالات ذات صلة