من ممرات “فالديبيباس” الهادئة، حيث تدرب شاب مغربي حالم اسمه أشرف حكيمي ذات يوم، إلى أضواء المسارح الكروية الكبرى، كانت الرحلة أكثر من مجرد انتقال بين أندية، كانت إعادة تعريف للاعبٍ لم يمنحه ناديه الأم سوى الفتات، قبل أن يردّ الدين بعد سنوات.. وفي نصف نهائي كأس العالم للأندية، بأربعة أهداف دون رد!
في مشهد قد لا يخطر على بال أحد، قاد حكيمي ناديه باريس سان جيرمان لاكتساح ريال مدريد، الفريق الذي كان من المفترض أن يحتضنه ويصقل موهبته. لكن الكرة لا تعترف بالمفترضات، بل تنصت فقط لأقدام تعرف طريقها نحو المجد.
بهذه الجملة الموجعة، تحدث حكيمي لـ”DAZN” عن خروجه من قلعة مدريد، كاشفا عن لحظة انتقاله التي لم تكن بإرادته، بل بقرار فني أغلق الأبواب مبكرًا في وجهه. قالها بصوت الواثق، لا الحاقد:
“لقد تركوني أرحل، لكنني وجدت في باريس منحنى جديدا لحياتي الكروية، حيث أستطيع أن أكون نفسي، ألعب، أستمتع، وأخوض تحديات لا تنتهي.”
تحت قيادة مدرب يثق فيه، وجد حكيمي نفسه يتحول من ظهير أيمن تقليدي إلى لاعب شامل، يمنح الإضافة في الوسط والهجوم، ويشعل الرواق الأيمن بسرعة البرق وحسم المهاجمين.
ربما لم يكن اللقاء بين باريس وريال مدريد مجرد مباراة، بل لحظة مصالحة داخلية مع الذات، لحظة تأكيد على أن النجم الذي أبعد يوما عن مدريد، قد عاد ليفرض اسمه – لا على دكة الاحتياط – بل على أكبر مسرح دولي، وفي نصف نهائي تاريخي.
في تلك الليلة، لم يسجل حكيمي، لكنه ركض، راوغ، قطع، صنع، وكان حاضرا في كل شبر من الميدان. لعب وكأنه يكتب فصلا أخيرا في قصة بدأت في مدريد وانتهت بصافرة انتصار في الموندياليتو.
من مدريد إلى العالم
منذ مغادرته ريال مدريد بعد 17 مباراة فقط، تنقل حكيمي عبر دورتموند،.. ثم إنتر ميلان، قبل أن يحط رحاله في باريس. في كل محطة،.. ترك أثرا. في كل قميص، وقع بإبداعه. لكنه في باريس، بات أكثر من مجرد ظهير: صار ركيزة مشروع، ووجها من وجوه المجد القادم.
اليوم، يعيش حكيمي لحظة نضج كروي نادر. يتحدث بهدوء، يلعب بثقة، ويقود بحكمة. لم يعد ذاك الشاب الذي ينتظر فرصته… بل أصبح اللاعب الذي يصنعها.