في وقت تتجه فيه أنظار العالم نحو إفريقيا كسوق واعدة في مجال الطيران والنقل الجوي، تعاني القارة من عجز صارخ في استجابة مطاراتها للمعايير الدولية للسلامة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول جاهزية القطاع للمرحلة المقبلة، خاصة في ظل طموحات تعزيز الربط الجوي وجذب المزيد من شركات الطيران الأجنبية.
بحسب أحدث البيانات الصادرة عن “نيوز أيرو”، فإن أقل من نصف المطارات الدولية الإفريقية تستجيب لمعايير السلامة التي تفرضها المنظمة الدولية للطيران المدني (الإيكاو). ففي يوليوز 2025، لم تتجاوز نسبة المطارات الإفريقية التي نالت شهادة المطابقة لهذه المعايير 44% فقط، وهي نسبة تعكس هشاشة البنية التنظيمية والفنية في عدد كبير من الدول.
وتظهر الفجوة بشكل أوضح في إفريقيا الوسطى، حيث لا يتعدى عدد المطارات الدولية المعتمدة 3 مطارات فقط، في مقابل تحسن نسبي في إفريقيا الشرقية والجنوبية بنسبة 53.7%، فيما لم تتجاوز النسبة 33.3% في إفريقيا الغربية والوسطى.
لكن الصورة ليست سوداوية بالكامل، إذ يتصدر المغرب قائمة الدول الإفريقية من حيث عدد المطارات المعتمدة، بـ15 مطارا دوليا، متبوعا بجنوب إفريقيا بـ10 مطارات، ومصر بـ7. ويعكس هذا التقدم موقع هذه الدول في خارطة الربط الجوي للقارة، باعتبارها الأكثر قدرة على جذب الشركات الدولية وتحقيق معدلات ربط عالية.
الإخفاق في تحقيق أهداف “أبوجا”
المثير أن أغلب الدول الإفريقية فشلت في تحقيق الأهداف المعلنة ضمن ما عرف بـ”أهداف السلامة الجوية لأبوجا”، والتي نصت على أن يتم اعتماد جميع المطارات الدولية قبل نهاية 2022، وأن تمتلك كل دولة مطارا واحدا على الأقل معتمدا بحلول 2020، إضافة إلى إلزامية تكوين فرق أمنية مختصة في المدارج والمشاركة في برنامج APEX لمراقبة الأداء.
لكن الواقع يكشف عن اختلالات هيكلية حالت دون الوصول إلى هذه الأهداف، من ضعف القدرات التقنية، إلى غياب الموارد البشرية المؤهلة، مرورا بضعف الاستثمار في أنظمة المراقبة والتدقيق.
في مواجهة هذا التحدي، أطلق مجلس المطارات الإفريقي (ACI Africa) سلسلة من المبادرات الرامية إلى إعادة بناء الثقة وتأهيل القطاع. أبرزها “برنامج دعم اعتماد المطارات”، الذي يوفر خبرات دولية للتدقيق، ودورات تدريبية، وإعداد نماذج جاهزة للإجراءات، إلى جانب منصة رقمية جديدة تتيح تتبع مسارات الاعتماد خطوة بخطوة.
هذه الخطوات لا تنبع فقط من حاجة تنظيمية، بل من رؤية استراتيجية تعتبر أن اعتماد المطارات هو حجر الزاوية لضمان الأمن الجوي، وجذب الاستثمارات، وتعزيز مكانة القارة في السوق الدولية للطيران.
بفضل سياسة استباقية وتخطيط منسق بين المكتب الوطني للمطارات والجهات التنظيمية، استطاع المغرب أن يتحول إلى مرجعية قارية في هذا المجال. وهو ما يطرح سؤالا مشروعا: هل تنجح بقية دول إفريقيا في اقتفاء هذا النموذج؟ وهل تتحول الفجوة التنظيمية إلى فرصة لبناء قطاع طيران أكثر كفاءة واستقلالية؟