تغير جذري تشهده العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة والقارة الإفريقية، حيث لم تعد واشنطن تتحدث بنفس اللغة القديمة حول “الحوكمة” و”الاستقرار البنيوي”، بل باتت ترسم مسافة واضحة بينها وبين الحروب التي لا تنتهي.
هذه التحولات ظهرت بشكل واضح خلال مناورات “African Lion 2025” الأخيرة، التي احتضن المغرب الجزء الأكبر منها، وكانت مناسبة عبر فيها الجيش الأمريكي، بصراحة نادرة، عن رغبته في تقليص حضوره المباشر في إفريقيا.
واشنطن تقلص دورها وتطلب من الشركاء تحمل المسؤولية
الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، لم يخف ذلك حين صرح قائلا: “نحن الآن في مرحلة نطلب فيها من شركائنا أن يطوروا قدراتهم الذاتية. يجب أن يكون هناك تقاسم حقيقي للأعباء”.
تصريحات تعكس تحولا في الاستراتيجية الأمريكية التي كانت، في السابق، تعتمد على مزيج من القوة العسكرية والدبلوماسية والتنمية لإرساء الاستقرار في دول هشة.
غير أن الأولويات تغيرت، كما توضح مجلة نيوزويك، التي ترى أن هذه المقاربة الجديدة امتداد لتوجهات بدأها البنتاغون خلال عهد دونالد ترامب، حيث بات الهدف الرئيسي هو حماية الأراضي الأمريكية، فيما يطلب من الحلفاء أن يتكفلوا بالباقي.
روسيا والصين تتحركان في الخلفية
في الوقت الذي تتراجع فيه واشنطن، تزداد شهية موسكو وبكين في التوسع داخل القارة. الصين، من جهتها، تضاعف مناوراتها المشتركة مع عدد من الدول الإفريقية،.. وتعزز حضورها العسكري في مناطق استراتيجية، بدوافع اقتصادية بالأساس.
أما روسيا،.. فتركز على أدوات غير تقليدية، من بينها دعم مباشر لقوات محلية عبر شركات شبه عسكرية مثل مجموعة “فاغنر”،.. وخصوصا في منطقة الساحل الإفريقي وأفريقيا الوسطى.
في أبريل الماضي، أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف دعم بلاده لتشكيل قوات مشتركة في منطقة الساحل،.. في إطار شراكة أمنية جديدة مع دول تلك المنطقة.
الرهان على الجيوش الإفريقية
مع اقتراب نهاية ولاية الجنرال لانغلي على رأس “أفريكوم”،.. تجد الولايات المتحدة نفسها مطالبة بإعادة تكييف دورها الاستراتيجي: الانسحاب الميداني دون التفريط التام في النفوذ.
لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر،.. فنجاحه يعتمد على مدى استعداد الجيوش الإفريقية لتدبير الأزمات الأمنية لوحدها،.. خاصة مع تمدد التنظيمات المسلحة وغياب الدعم الهيكلي الأمريكي الذي ظل لسنوات يلعب دور التوازن.
وفق نيوزويك، فإن الفشل في هذه المرحلة قد يعجل بتحول إفريقيا إلى ساحة نفوذ مفتوحة أمام خصوم واشنطن،.. في لحظة مفصلية قد تغير قواعد النفوذ العالمي لعقود قادمة.