في تحرك تشريعي وصف بغير المسبوق، صادقت الحكومة الإسبانية، في أواخر يوليوز 2025، على مشروع قانون جديد ينظم التعامل مع المعلومات السرية، في خطوة تسعى من خلالها مدريد إلى تجاوز إرث “قانون الأسرار الرسمية” الذي ظل معمولا به منذ عهد الديكتاتور فرانكو سنة 1968.
مشروع القانون الجديد، الذي ينتظر المرور عبر قنوات المصادقة البرلمانية، يضع سقفا زمنيا أقصى للسرية يمتد إلى 60 عاما، مع فترات متفاوتة حسب حساسية الوثائق. المعلومات المصنفة ضمن خانة “المقيدة” سيتم رفع السرية عنها في ظرف 4 سنوات، بينما ستبقى الوثائق المصنفة “سرية للغاية” طي الكتمان إلى حدود 45 سنة، مع إمكانية التمديد بـ15 سنة إضافية في حالات استثنائية تتعلق بالأمن القومي.
أحد أبرز مخرجات هذا المشروع، يتمثل في فتح أرشيف الدولة تدريجيا أمام الباحثين والرأي العام،.. بما في ذلك ملفات شائكة ترتبط بمرحلة ما قبل دستور 1978، وهو ما من شأنه إعادة تسليط الضوء على قضايا حساسة، كملف الصحراء المغربية والعلاقات الثنائية مع الرباط.
ورغم أن النص القانوني يضع خطوطا حمراء تتعلق بالدفاع الوطني والأمن القومي،.. إلا أن مراقبين يرون أن دخول هذا القانون حيز التنفيذ قد يفتح الباب أمام كشف معطيات تاريخية قد تحدث تحولات في تعاطي الرأي العام الإسباني والدولي مع ملفات كانت إلى وقت قريب “طابوهات” محمية بقوة القانون.
مغزى القرار وأبعاده الإقليمية
في ظل التطورات الجيوسياسية الراهنة، لا ينظر إلى هذا القانون كمسألة داخلية بحتة. فالمغرب، الذي شهد علاقته بإسبانيا تحولات استراتيجية عميقة في السنوات الأخيرة،.. يراقب عن كثب الخطوات الإسبانية التي قد تعيد ترتيب أولويات الملفات الثنائية،.. خصوصا أن أرشيف الحقبة الاستعمارية الإسبانية في الصحراء المغربية ظل لسنوات جزءا من المعادلة الصامتة في العلاقات بين البلدين.
يمثل هذا المشروع التشريعي، حسب مراقبين إسبان،.. قطيعة مع ثقافة “الاستثناء الأمني” التي طغت لعقود على تعاطي مدريد مع أرشيفها الرسمي. في المقابل،.. تبرز تحديات جديدة تتعلق بكيفية الموازنة بين حق الرأي العام في الاطلاع،.. ومتطلبات الحفاظ على مصالح الدولة الاستراتيجية.
ويبقى السؤال مفتوحا حول ما إذا كان البرلمان الإسباني سيحسم في هذا المشروع بنفس الجرأة التي أظهرها مجلس الوزراء،.. أم أن لوبيات المصالح الأمنية قد تحاول فرملته أو تحجيم مفاعيله.