في اكتشاف علمي لافت، كشفت دراسة حديثة أن طيور الفلامنغو الوردي التي تعبر البحر الأبيض المتوسط لتقضي فصل الشتاء في شمال إفريقيا، وبالأخص في المناطق الرطبة المغربية، تعيش أطول من نظيراتها التي تبقى مستقرة في منطقة كامارغ جنوب فرنسا. هذه الخلاصة جاءت بعد أكثر من أربعين سنة من المراقبة المستمرة، ونشرت نتائجها في مجلة علمية مرموقة بالولايات المتحدة.
البحث، الذي انطلق منذ سنة 1977 عبر برنامج لتعليم الطيور بحلقات خاصة قابلة للقراءة عن بعد، مكن من تتبع آلاف الطيور بدقة عالية. وقد أظهرت النتائج أن الفلامنغو المقيم في فرنسا يدخل مرحلة الشيخوخة بسرعة أكبر بنسبة 40 في المئة مقارنة بالمهاجرين، حيث تبدأ علامات التراجع عند سن 20 عاما تقريبا، بينما تتأخر عند المهاجرين إلى ما بعد 21 عاما.
المغرب يشكل وجهة محورية ضمن هذا المسار، إذ تستقطب مياهه الرطبة مثل مرجة الزرقة، خنيفيس، الوليدية، مرتشيكا بوعرك وتمري، نسبة هامة من هذه الطيور التي تغادر فرنسا كل عام. وتشير التقديرات إلى أن ما يقارب 34 في المئة من صغار الفلامنغو الكامارغي يهاجرون نحو إفريقيا الشمالية والغربية، وهو ما يفسر المشاهد المألوفة لأسراب الفلامنغو في الشتاء بالمملكة.
ويفسر العلماء هذا التفاوت بوجود “مقايضة بيولوجية”: فالبقاء في موطن واحد يمنح الطيور فرصا أوفر في التكاثر والبقاء خلال سنواتها الأولى، لكنه يسرع من تدهور صحتها في المراحل المتأخرة. في المقابل، فإن مشقة الهجرة وما تحمله من مخاطر تجعل الطيور المهاجرة تدفع ثمنا مبكرا، لكنها تكسب عمرا أطول وصحة أفضل في ما بعد.
هذا الاكتشاف يعزز قيمة المناطق الرطبة المغربية التي لا تستقطب فقط أسراب الفلامنغو، بل تساهم في الحفاظ على دورة حياته الطبيعية. وتجدر الإشارة إلى أن المغرب شهد سنة 2022 حدثا استثنائيا تمثل في عودة الفلامنغو للتعشيش داخله بعد غياب دام نصف قرن، ما يعكس جودة هذه المواطن البيئية وأهمية صيانتها.
ويخلص الخبراء إلى أن حماية هذه المواقع في المملكة باتت ضرورة ملحة، ليس فقط لأنها محطة استراحة للطيور المهاجرة، بل لأنها تثبت علميا أنها تساهم في إطالة أعمارها وتؤخر من شيخوختها، في مشهد يضع المغرب ضمن الشبكة المتوسطية الأساسية لاستمرار هذا النوع.