لم يعد مقبولا أن تتحول الفضاءات العامة في المغرب إلى مساحات مفتوحة للإهانة والإذلال، وسط تفشي مظاهر التحرش الجنسي العلني بالنساء، وغياب رادع حقيقي يحفظ الكرامة ويصون حرمة الجسد. آخر فصول هذا الانفلات شهدته مدينة طنجة، حيث وثق مقطع مصور شابا على متن دراجة نارية يقترب من فتاة ويصفعها بشكل صادم على مؤخرتها، قبل أن يفر هاربا وسط الشارع، كأن شيئا لم يحدث.
الفيديو انتشر بسرعة على منصات التواصل، وأشعل موجة غضب عارمة، حيث عبر آلاف النشطاء عن استنكارهم لهذا السلوك الشنيع، مؤكدين أنه ليس مجرد حادث معزول، بل تعبير عن ظاهرة مجتمعية تتغذى على التساهل، وتتوسع بغياب الردع.
طنجة، التي تعتبر من أبرز الوجهات السياحية في المملكة، باتت مرادفا لحوادث التحرش المتكررة، خصوصا في فصل الصيف. واقعة اليوم ليست الأولى، فقد سبقتها حالات موثقة بالصوت والصورة، أبرزها حادثة الشاب الذي رفع تنورة فتاة في الشارع، وقضية “الفتاة الشقراء” على كورنيش المدينة، التي تعرضت لتحرش جماعي رغم حملها لطفل صغير بين ذراعيها.
من طنجة إلى باقي المدن.. التحرش يتفاقم والمجتمع في صمت مريب
كما لا يمكن نسيان الفيديو الصادم لمجموعة من المراهقين يتحرشون بفتاة بشكل جماعي، وهي الحادثة التي وصلت إلى القضاء وأسفرت عن إدانات بالسجن. ومع ذلك، ما زال المشهد يتكرر، في غياب آليات فعالة للزجر والوقاية.
المفارقة أن القانون الجنائي المغربي يتضمن نصوصا واضحة لمعاقبة المتحرشين، إلا أن التطبيق يظل محدودا، وغالبا ما تقابل النساء المتضررات بالتشكيك أو الإهمال، ما يفاقم الإحساس بانعدام الحماية.
ولا يتعلق الأمر فقط بمدينة طنجة، بل هو امتداد لظاهرة أوسع تشهدها مدن كبرى كفاس، الدار البيضاء، الرباط ومراكش، حيث تسير المرأة في الشارع تحت وطأة نظرات مفترسة وأفعال وقحة، دون أن تجد من يوقف هذا التسيب.
اليوم، بات من الضروري إعادة فتح نقاش وطني شامل حول التحرش في الفضاء العمومي، عبر مقاربة متعددة الأبعاد تشمل التوعية، التربية، الإعلام، والصرامة القانونية. فلا تنمية ممكنة في ظل انعدام الأمان النفسي للنساء، ولا يمكن لبلد يسعى للحداثة أن يقبل بهذه المشاهد المهينة على أرصفته.
إنها ليست قضية فتاة تعرضت لصفعة، بل صفعة لكل مجتمع يتهاون في حماية أمهاته، أخواته، وزوجاته.