الأكثر مشاهدة

التونة الأوروبية.. تعود من حافة الانقراض

قبل عقدين فقط، كانت التونة ذات الزعانف الزرقاء في مياه الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط تنازع للبقاء. ذلك الكائن الفضي الأنيق الذي كان يملأ الأسماك والأسواق، أصبح فجأة عنوانا لأزمة بيئية عالمية. كان العالم وقتها يلتهم “السوشي” بشغف، فيما كانت الشباك العملاقة تلتهم البحر نفسه بلا رحمة.

“كان الصيد أشبه بالفوضى”، يقول تريستان روير، عالم بيئة مصايد الأسماك في معهد IFREMER الفرنسي. “القوارب كانت كثيرة، القوانين غائبة، والرقابة مجرد حبر على ورق. كنا نصطاد بلا حساب، حتى الأسماك الصغيرة لم تسلم.”

في تلك السنوات السوداء، دق العلماء ناقوس الخطر، وخرج نشطاء البيئة في حملات صاخبة ضد “نهب المتوسط”. تحت ضغط الرأي العام، وجدت الحكومات نفسها مضطرة للتدخل.
وفي عام 2007، وضعت خطة إنقاذ صارمة تحت إشراف اللجنة الدولية لحفظ التونة في المحيط الأطلسي (ICCAT). كانت الخطة بمثابة إعلان حالة طوارئ بحرية: حصص محدودة، أساطيل مخفضة، موسم صيد قصير، وتفتيش دولي لا ينام.

- Ad -

النتيجة؟
انخفضت الكميات المصطادة من 60 ألف طن إلى 10 آلاف فقط. ثم، كما لو أن البحر بدأ يتنفس من جديد، راحت أعداد التونة الزرقاء ترتفع بوتيرة فاقت كل التوقعات.

في ميناء “سيت” الفرنسي، الذي يُعد عاصمة التونة الزرقاء، لا يسمح اليوم ببيع سمكة واحدة دون وزنٍ وتوثيق وتتبع إلكتروني دقيق من القارب إلى المائدة. حتى السفن العملاقة أصبحت تصطاد لأسابيع معدودة كل عام.

“نحن مع القيود”، يقول برتراند ويندلنج، مدير إحدى أكبر تعاونيات الصيد. “لقد تعلمنا الدرس. اليوم نصطاد أقل، لكن نحصد أكثر على المدى الطويل. المخزون ينمو، والحصص ترتفع تدريجيا بنسبة 20%، ولكن ضمن حدود مستدامة وتحت رقابة صارمة.”

لم يعد العلماء يثقون بتقارير الصيد وحدها، فهي غالبًا تعكس ما تراه الشباك لا ما يعيشه البحر. لذلك، اعتمد معهد IFREMER تقنيات متقدمة: وضع علامات إلكترونية على التونة لتتبع هجرتها، وتسجيل حرارة المياه وضغطها ومستوى الضوء حولها.

يقول روير: “إنها الأداة التي تمكننا من إعادة رسم خريطة حياة التونة. نعرف متى تهاجر، وأين تتغذى، وأي مياه تفضل.”

تضاف إلى هذه الجهود مسوحات جوية سنوية، حيث يحلق العلماء بطائرات صغيرة فوق المتوسط لحساب أسراب التونة الظاهرة على السطح. وكانت المفاجأة مدهشة:
في أوائل الألفية، بالكاد كان يمكن رؤية 60 سربا في موسم كامل؛ أما اليوم، فتسجل في بعض الرحلات الجوية أكثر من 300 سرب في يوم واحد!

منذ عام 2020، بدأ هذا التعافي يستقر. ومع ذلك، يحذر العلماء من الغرور. فالإفراط في الصيد، وإن خفت حدته، يظل خطرا كامنا تحت السطح.

يقول روير بنبرة تحذير: “نلاحظ بوادر عودة الصيد غير المشروع في بعض المناطق. إذا تراخينا، قد نعود سريعا إلى الوراء. البحر لا يغفر التهاون.”

مقالات ذات صلة