في خطوة تعكس التحول الاستراتيجي للقوات المسلحة الملكية نحو ترشيد الموارد وتكييف المعدات مع رهانات العصر، بدأت تظهر بوادر تنفيذ خطة جديدة لتحديث دبابات M60 الأميركية الصنع، والتي طالما شكلت إحدى ركائز القوة البرية في الترسانة المغربية.
المؤشرات الأولى على هذا التوجه ظهرت من خلال صور أقمار صناعية نشرت على الإنترنت، توثق تكدس عدد كبير من دبابات M60 بمحيط مؤسسة الدعم اللوجستي للمعدات العسكرية بالنواصر.
وفي تطور لافت، رصدت قوافل برية تضم هذه الدبابات وهي تشق الطريق من جهتي الشرق والجنوب في اتجاه النواصر، ما يعكس وجود تعبئة واسعة النطاق لعملية تأهيل مرتقبة.
ويؤكد الخبير العسكري عبد الحميد الحريفي لـ “ميديا24” أن المغرب يعمل على تنفيذ برنامج يعرف بـ SLAP (Service Life Assessment Program)، يستهدف رفع جاهزية هذه الدبابات من خلال تحديث إلكترونياتها ومحركاتها ومنظوماتها القتالية.
برنامج مغربي لتأهيل دبابات M60 استعدادا لمواجهة التحديات الحديثة
البرنامج، الذي يعكس فلسفة “النجاعة التقنية بأقل كلفة”، يهدف إلى تعزيز الدقة النارية، وتخفيف استهلاك الوقود، وتطوير أنظمة التوجيه والرؤية، مع اعتماد منظومات رقمية مجربة لدى الجيش الأميركي. ومن بين أبرز التعديلات: استبدال المدفع من عيار 105 ملم بآخر من عيار 120 ملم، وتحديث المحرك ليرتفع أداؤه من 750 إلى 950 حصانا، مع منحه شهادة “صفر ساعة” بعد صيانة شاملة.
تطوير نظم الاتصال والتنسيق الإلكتروني يندرج أيضا في هذا المخطط، بهدف ضمان تكامل هذه الدبابات مع باقي وحدات سلاح المدرعات، خاصة دبابات Abrams الحديثة، ما ينسجم مع مسار رقمنة العمليات الميدانية المعتمد من طرف الجيش المغربي.
المؤسسة الصناعية التي تحتضن هذا الورش هي ESMAT بالنواصر، والتي سبق أن أبرمت شراكات تقنية مع شركة General Dynamics منذ أوائل الألفية، ما منحها خبرة محلية في صيانة وإعادة تأهيل الدبابات والمدفعية الأميركية.
هذا الخيار لا يرتكز فقط على الحتمية التقنية، بل ينبع من قراءة استراتيجية لأجواء التوتر الإقليمي والتجارب الحربية المعاصرة، خصوصا ما أظهرته الحرب في أوكرانيا من أهمية السلاح الثقيل رغم صعود التهديدات غير التقليدية مثل الطائرات الانتحارية.
ويضيف الخبير الحريفي أن الحفاظ على ترسانة من الدبابات المجددة يضمن جاهزية تكتيكية أعلى ومرونة ميدانية دون اللجوء إلى ميزانيات ضخمة، خصوصا مع تأجيل صفقات كبرى مثل اقتناء دفعة إضافية من Abrams أو التخلي عن شراء Merkava MK3 لأسباب ترتبط بسياقاتها الجيوسياسية.
في المحصلة، يسير الجيش المغربي نحو مقاربة واقعية تستند إلى تعظيم الاستفادة من الإمكانيات المتوفرة، وتحقيق التوازن بين التحديث والتكلفة، لضمان قدرة ردع حقيقية على الأرض، تستجيب لرهانات الحاضر وتتأقلم مع تحديات المستقبل.