تتسع رقعة البناء العشوائي في ضواحي الدار البيضاء بشكل مقلق، حيث تحولت مناطق مثل مدیونة، النواصر وبرشيد إلى بؤر لانتشار مستودعات ومنازل ومحلات تجارية مشيدة على أراض زراعية أو في مجالات غير مهيأة. هذه الظاهرة، التي طالما أرهقت السلطات، عادت بقوة خلال الأشهر الأخيرة، ما دفع إلى اعتماد وسائل غير تقليدية في المواجهة، أبرزها استخدام الطائرات المسيرة لرصد الخروقات في مهدها.
منذ بداية الصيف، حلقت هذه الطائرات فوق النقاط السوداء لرصد أي بناء غير مرخص. وما أن يتم التعرف على المخالفين، حتى يطلب منهم الهدم أو تسوية وضعيتهم القانونية، وفي حال رفضوا، تتدخل الجرافات لإزالة المخالفات. لكن رغم ذلك، يواصل البعض التحايل بطرق مبتكرة، إذ يخفي بعضهم الأسطح بعشب اصطناعي لتضليل الكاميرات، بينما يفضل آخرون بناء منشآتهم خلف تجهيزات زراعية للتمويه.
على الأرض، لا تمر هذه العمليات دون أثر اجتماعي. يوسف، شاب ثلاثيني من الهراويين، يروي كيف شاهد بأم عينه بنايات تنهار تحت ضربات الجرافات، بعضها شيدته عائلات وضعت كل مدخراتها في قطعة أرض على أمل بناء مأوى قبل أن تكتشفها السلطات. في المقابل، هناك من يتعامل مع البناء العشوائي كاستثمار مربح يدار بشكل ممنهج. يوسف يلخص المعضلة قائلا: “لست ضد القانون، لكن يجب فهم لماذا يغامر الناس أصلا”.
فالمشكلة، في عمقها، ليست فقط قانونية بل اجتماعية. صعوبة الولوج إلى السكن، غلاء الأراضي، طول المساطر الإدارية وضغط المضاربة العقارية، كلها عوامل تدفع أفرادا وعائلات إلى خوض مغامرة البناء غير القانوني.
في مواجهة هذا الوضع، أعادت وزارة الداخلية توزيع أدوار رجال السلطة من قياد وباشوات ومقدمين لتكثيف المراقبة، كما تم توقيف موظفين محليين اتهموا بالتساهل أو التواطؤ، في إشارة إلى أن عهد الإفلات من العقاب يقترب من نهايته. البلديات بدورها دخلت على الخط، إذ عززت مصالحها التقنية وشددت التنسيق مع السلطات الإقليمية، رغم استمرار بعض التعثرات بسبب ضعف الإمكانيات أو خلافات سياسية بين المنتخبين.
الرهان، كما تؤكد الدولة، يتجاوز مجرد هدم مخالفات، إذ يتعلق بإعداد التراب الوطني لمشاريع كبرى على المدى القريب، وفي مقدمتها الاستحقاق العالمي المتمثل في تنظيم كأس العالم 2030. لكن يبقى السؤال الأعمق: هل تكفي المعالجات الأمنية وحدها؟ أم أن الحل الحقيقي يكمن في فتح مسارات جديدة للسكن الميسر، تبسيط إجراءات الترخيص، وتوفير أراضٍ مُهيكلة بأسعار معقولة؟
الدار البيضاء، وهي تكبر بوتيرة سريعة، تبدو أمام مفترق طرق. بين منطق الردع الحازم وحتمية التخطيط الحضري المتوازن، سيرسم وجه المدينة التي يطمح إليها سكانها: عاصمة اقتصادية حديثة، لكن أيضا مدينة قادرة على احتضان الجميع، لا أن تدفع بعضهم للبناء في الظل.