لا يزال ملف الدراجات النارية الصغيرة بمحرك يثير الكثير من النقاش بعد توقيف الحملة الأمنية التي استهدفت هذا الصنف من المركبات خلال الأيام الأخيرة. فبينما يرى البعض أن الإجراء مؤقت، يؤكد باحثون في مجال السلامة الطرقية أن المشكل أعمق من مجرد مصادرة دراجات من الشوارع، محملين وزارة الصناعة والتجارة جزءا كبيرا من المسؤولية، بسبب شبهات مرتبطة بطرق الاستيراد وإعادة التجميع.
استيراد من الصين وتعديلات مشبوهة
عدد من المتتبعين أوضحوا أن هذه الدراجات تصل إلى المغرب عبر منافذ الاستيراد قادمة من الصين، وتدخل البلاد وهي في ظاهرها مطابقة للمواصفات، غير أن خصائصها التقنية الداخلية تختلف تماما عن المعايير المصرح بها. وفي حالات أخرى، يجري استيرادها مفككة ليعاد تجميعها داخل مستودعات محلية وفق أساليب مخالفة للقانون.
الطاهر سعدون، المتخصص في الجوانب القضائية المرتبطة بالمركبات، اعتبر أن هذه العملية “تدليس ممنهج”، مبرزا أن المحركات يتم تقديمها على أنها لا تتجاوز سعة 50 سنتيمترا مكعبا، لكنها في الحقيقة تفوق أحيانا 100 سم مكعب، وهو ما يسمح لها بتجاوز السرعة القانونية المحددة في 50 كيلومترا في الساعة لتصل إلى ما بين 100 و140 كيلومترا، في خرق صارخ لمدونة السير.
مسؤوليات متشابكة
الباحث ذاته لفت الانتباه إلى احتمال وجود تواطؤ عند بعض نقاط العبور الجمركية، حيث تحرر وثائق لا تتضمن الأرقام التسلسلية الكاملة للمركبات، مما يفتح الباب أمام تمرير نماذج غير مطابقة. كما أوضح أن التلاعب لا يقتصر على المحرك فحسب، بل يشمل أيضا مكونات أخرى مثل نظام الإشعال وسلسلة العجلة الخلفية والبيالة والمكبس.
سعدون شدد على أن المعالجة لا يمكن أن تقتصر على الحملات الأمنية، بل تتطلب تدخلا ميدانيا مشتركا بين وزارة الصناعة والتجارة، وزارة النقل، مصالح الجمارك، الضابطة القضائية، والمركز الوطني للاختبارات والتصديق. وأوصى بضرورة تنظيم زيارات تفتيش للمعامل والمستودعات وسحب عينات للفحص ونشر تقارير دورية تعزز ثقة المواطن.
المواطن ضحية حلقة مفرغة
من جهته، يرى مصطفى الحاجي، رئيس الهيئة المغربية لجمعيات السلامة الطرقية، أن أصل الإشكال يكمن في بعض الشركات التي تعمد إلى استيراد الدراجات بشكل قانوني على الورق، لكنها تعدلها بعد دخولها إلى التراب الوطني. وأكد أن الهيئة لجأت إلى مفوض قضائي لإثبات وجود خروقات، حيث تبين أن شركات باعت دراجات معدلة للمواطنين من دون علمهم.
الحاجي أوضح أن المستهلك يقتني هذه الدراجات وهو مقتنع بأنها مطابقة للقانون، غير أنه يجد نفسه في وضعية مخالفة عند حجزها، في حين أن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق المستوردين وعلى الجهات الوصية التي لم تمارس رقابتها بالشكل المطلوب.
وأضاف أن المواطن يجب أن يتمكن من إثبات حسن نيته أمام القضاء وأن يتابع الشركات التي باعته هذه المنتجات المغشوشة، بل ويطالب بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي إذا ثبت وقوعه ضحية نصب.
دعوات لتوضيح رسمي وحملة شاملة
في ظل غياب أي توضيح رسمي من وزارة الصناعة والتجارة، تتصاعد دعوات المهنيين والفاعلين المدنيين إلى ضرورة خروج الحكومة بموقف واضح يحدد الوضع القانوني لهذه الدراجات، ويضع حدا للغموض الذي يكتنفها.
كما شدد الفاعلون على أن الحل الجذري يتجلى في إطلاق حملة مراقبة واسعة تستهدف الشركات المشكوك في ممارساتها، وإغلاق الباب أمام “لوبيات” التعديل غير القانوني التي تعرض حياة الشباب للخطر يوميا.