اعتماد الدول النامية على تمويل مشاريع البنية التحتية بالاقتراض أغرقها في الديون، وتفاقم الوضع أمام اشتداد الحرب التجارية بين الصين والغرب، التي تزامنت مع عدة أزمات شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
أطلقت الصين مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، وهي مشروع ضخم يشمل حوالي 21 ألف مشروع للبنية التحتية حول العالم، وأصبحت هذه المبادرة محور السياسة الخارجية للرئيس شي جين بينغ. تختلف هذه المبادرة عن خطة مارشال الولايات المتحدة لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث قدمت الصين تمويلا بقيمة 1.3 تريليون دولار على مدى العقد الماضي تقريبا لتمويل مشاريع البنية التحتية.
في محاولة لاستعادة طرق التجارة التاريخية، جلبت مبادرة الحزام والطريق للصين لقب “طريق الحرير الجديد”. تعزز هذه المبادرة نفوذ بكين على الساحة العالمية، وهو الأمر الذي أثار استياء واشنطن وبروكسل.
ومع ذلك، يشير النقاد إلى أن هذه المبادرة قد فرضت أعباء كبيرة من الديون على الدول النامية وتركت أثرا بيئيا ضخما في ظل أهمية الحماية البيئية. انسحبت بعض الدول، من بينها الفلبين، من المشاريع بسبب المخاوف المتزايدة.
يشير آخرون إلى استراتيجية الصين في تقديم العقود لشركاتها الحكومية لبناء المشاريع، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى تكاليف غامضة وتعقيدات تجبر البلدان على إعادة التفاوض لاحقا.
وفي الوقت الحالي، بينما تلتزم الصين بالاستمرار في استثمار مليارات الدولارات في مشاريع جديدة، يبدو أن حان وقت الدفع لفاتورة الديون التي استمرت على مدى العقد السابق.
تفاقم الديون في مبادرة الحزام والطريق: مستقبل مشوب بالتحديات
تثير مستجدات مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين تساؤلات حول مدى تحمل الدول النامية لعبء الديون الثقيل. وفقًا لتقرير نشرته مؤسسة “إيد داتا”، يشير التقدير إلى أن 80% من القروض التي قدمتها الصين للدول النامية توجهت إلى دول تواجه تحديات مالية، مما أدى إلى تراكم ديون بلغت قيمتها 1.1 تريليون دولار على الأقل.
يظهر التقرير ارتفاعا في الأقساط المتأخرة وسط مخاوف من تفاقم الأزمة، حيث أشار المؤلفون إلى معرض 1693 مشروعا للمخاطر، بينما تم إلغاء أو تعليق 94 مشروعا.
وفي ظل ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية على مستوى العالم، تتكبد الدول المدينة عبء الديون بشكل متزايد،.. حيث تواجه فترات سداد أكبر. تظهر حسابات منظمة “إيد داتا” أن أكثر من نصف هذه القروض باتت تواجه فترة سداد أساسية،.. في حين قامت الصين في بعض الحالات بتضاعف سعر الفائدة كعقوبة عن التأخر في السداد.
عند بداية تقديم الصين للقروض للدول النامية، كانت أقل من خمس المشاريع مضمونة،.. ولكن هذا الرقم ارتفع إلى نحو ثلثي المشاريع اليوم. وفقا لتقرير للبنك الدولي، فإن الصين تواجه الآن تحديات في إدارة موجة الديون المتعثرة،.. مع تبنيها استراتيجية للتخلص من هذه المخاطر، بما في ذلك تقديم قروض الإنقاذ لدعم الموارد المالية للحكومات.
التحدي الأمريكي والأوروبي أمام مبادرة الحزام والطريق الصينية
تتسابق الولايات المتحدة وأوروبا للتنافس مع الصين في تمويل مشاريع التنمية العالمية،.. حيث أظهر تقرير منظمة “إيد داتا” أن الصين تنفق سنويا حوالي 80 مليار دولار على إقراض الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل. وتسعى الولايات المتحدة لمجاراة هذا الإنفاق من خلال إنفاق قرابة 60 مليار دولار سنويا على تمويل التنمية،.. بمساهمة كبيرة من مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية (DFC) التي تدعم مشاريع القطاع الخاص.
من بين الأمثلة على التمويل الأمريكي يأتي بناء محطة حاويات الشحن في ميناء كولومبو في سريلانكا بتكلفة نصف مليار دولار.
تقدم بكين أيضا قروضا لبناء مشاريع مثل ميناء هامبانتوتا في سريلانكا. في محاولة لتحقيق توازن،.. أطلقت دول مجموعة السبع مبادرة “إعادة بناء عالم أفضل” (B3W) قبل عامين كبديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
وفي الشهر الماضي، عقد الاتحاد الأوروبي قمته الأولى لبرنامج البوابة العالمية،.. كبديل آخر لمبادرة الحزام والطريق، مما يعكس رغبة أوروبا في الحفاظ على نفوذها. قد تساهم تلك المبادرات في دعم المشاريع المتعلقة بالمعادن الحيوية والطاقة الخضراء وممرات النقل.
وفي هذا السياق، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إن البوابة العالمية ستوفر “خيارا أفضل” لتمويل مشاريع البنية التحتية. يحذر تقرير منظمة “إيد داتا” الولايات المتحدة وحلفائها من التنافس مع الصين في ظل انتقال بكين إلى تحصيل الديون.
وفي الختام، يشير التقرير إلى أن العديد من مشاريع مبادرة الحزام والطريق الصينية فشلت،.. مما يفتح الباب أمام البلدان المتضررة للعودة إلى الاتجاه الغربي.