لم تمر المصادقة على التقرير الإخباري السنوي لمجلس الأمن إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بهدوء دبلوماسي مألوف، بل تحول المشهد يوم الجمعة 30 ماي 2025 إلى ساحة نقاش حاد، كسرت فيها مجاملات البروتوكول، وارتفعت فيها الأصوات اعتراضا وتأييدا، بسبب فقرة واحدة فقط… فقرة وصفت بأنها “منزاحة عن جادة الحياد” فيما يخص قضية الصحراء المغربية.
هذه الفقرة، التي استخدمت توصيف “الطرفين” في إشارة إلى نزاع الصحراء، أشعلت احتجاجات قوية من المغرب وسيراليون، في حين تمترست خلفها الجزائر وروسيا والصين، بينما انحازت الولايات المتحدة وفرنسا إلى مطالب الرباط وفريتاون بتعديلها.
المغرب يذكر بالدعم الدولي لمبادرة الحكم الذاتي
في رسالة رسمية وجهها السفير عمر هلال، الممثل الدائم للمملكة المغربية لدى الأمم المتحدة، إلى رئيس وأعضاء مجلس الأمن، جاء الرد صارما: “الفقرة تمثل انحرافا عن مسار تقارير المجلس السابقة”، مبرزا أن الصيغة الجديدة تعطي انطباعا زائفا بموقف موحد لا وجود له، وتعكس في الواقع رأيا منفردا لعضو غير دائم.
هلال ذكر بأن مجلس الأمن أرسى منذ سنة 2018 مفهوم “الأطراف الأربعة”: المغرب، الجزائر، موريتانيا، و”البوليساريو”، وهو توصيف حرصت تقارير المجلس على تثبيته مرارا، ما يجعل التراجع عنه اليوم بمثابة قفزة إلى الوراء، بل “تشويشا على الجهود السياسية الجادة”.
في موقف اعتبره المراقبون مفاجئا ووازنا، دخلت سيراليون على خط الدفاع عن الحياد المؤسساتي، برسالة صريحة من سفيرها مايكل عمران كانو، اعتبر فيها الفقرة موضع الجدل “تحريفا للممارسة المعهودة”، وأعلن رفض بلاده لها بشكل رسمي، بل ذهب أبعد من ذلك مطالبا بمراجعتها لضمان “دقة وحيادية التقرير”.
سيراليون… الحليف المفاجئ
وخلال جلسة الاعتماد، كانت لهجة ممثلة سيراليون أكثر وضوحا، حين أكدت أن بلادها لن تقبل بتمرير نص لا يعكس إجماع المجلس، في خطوة فتحت الباب لدعم دبلوماسي مهم من واشنطن وباريس.
تدخل ممثل الولايات المتحدة لم يخف انحيازه لموقف سيراليون، معلنا بوضوح “تطابق الرؤى” بشأن الملاحظات المثارة، بينما أكد ممثل فرنسا أن بلاده سبق أن قدمت تعليقات مكتوبة تطعن في صيغة الفقرة، داعيا إلى ضرورة أخذها بعين الاعتبار.
في المقابل، تشكل تحالف معارض ضم الجزائر، وروسيا، والصين، رفض التعديلات المقترحة، وأصر على الإبقاء على الصيغة المثيرة للجدل، وهو ما عمق الشرخ داخل أروقة المجلس، وكشف مجددا عن التوترات المتجددة حول قضية الصحراء داخل المنظومة الأممية.
السفير هلال لم يفوت الفرصة ليعيد إلى الواجهة ما يعتبره “الإجماع الدولي المتنامي” حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي، مؤكدا أنها تحظى بتأييد 116 دولة، منها دولتان دائمتا العضوية في مجلس الأمن، وست دول من الأعضاء الحاليين.
وبلهجة حازمة، ختم هلال رسالته بالتشديد على “رفض المملكة القاطع لأي تحريف سياسي في تقارير الأمم المتحدة”، داعيا إلى احترام حيادية المؤسسة الأممية، خاصة في ما يتعلق بقضية تخضع لمسار أممي دقيق ومعقد.
الوثائق الرسمية قادمة
الرسالتان اللتان بعث بهما المغرب وسيراليون، ستتحولان إلى وثيقتين رسميتين لمجلس الأمن والجمعية العامة، في خطوة ترمي إلى تسجيل الموقف في ذاكرة المؤسسة الأممية، وإرسال رسالة سياسية واضحة: الحياد ليس ترفا بل التزام… وأي انزلاق لغوي قد يُفهم كموقف منحاز.
في كواليس الأمم المتحدة، يقول دبلوماسيون إن هذه الحادثة ليست مجرد سجال عابر،.. بل مؤشر على تصاعد صراع الروايات داخل المنظمة،.. في وقت تتزايد فيه الضغوط لإيجاد حل سياسي دائم لهذا النزاع الممتد منذ عقود.