وسط الدار البيضاء، يظل حي المحمدي شاهدا على تاريخ نضالي وذاكرة عمالية حافلة، لكنه يعيش اليوم على وقع إهمال طويل المدى انعكس في طرق متصدعة، إنارة متعثرة وشبكة صرف صحي لم تعد قادرة على مواكبة التحولات العمرانية. مشهد يومي يرسم معاناة ساكنة هذا الحي الذي كان يوما القلب النابض للمدينة الصناعية.
ففي شوارع محاذية للمركب الصناعي القديم وعلى طول بعض المقاطع من شارع الفداء، تبدو الطرق وكأنها حقول ألغام صغيرة. حفر عميقة تجبر السائقين على قيادة حذرة أشبه بسباق عوائق، بينما يجد المارة أنفسهم مضطرين للتنقل وسط مخاطر دائمة. أحد شباب الحي، ويدعى هشام، يختصر المشهد قائلا: “حتى سيارات الأجرة ترفض دخول بعض الأزقة، خاصة ليلا”.
أما عند حلول الليل، فينكشف وجه آخر للأزمة. مصابيح الشارع، حين تعمل، تبعث ضوءا ضعيفا مرتجفا، بينما تغرق مناطق أخرى، خاصة القريبة من حي جديد والمستودعات القديمة، في عتمة تامة تولد شعورا عاما بانعدام الأمن. فاطمة، وهي أم لطفلين، تعترف: «لم نعد نغادر البيت بعد الثامنة مساء إلا للضرورة القصوى».
وتتفاقم المشاكل تحت الأرض أيضا، إذ يعود جزء كبير من شبكة التطهير السائل إلى الحقبة الاستعمارية، دون أن تعرف إصلاحات جذرية منذ عقود. وعند كل تساقطات مطرية قوية، تغرق شوارع بكاملها، فيما تصعد المياه الآسنة من البالوعات لتتحول إلى برك ملوثة. أحد السكان يوضح: “الأطفال يضطرون لعبور المياه الملوثة في طريقهم إلى المدرسة”.
أمام هذه الوضعية، شرع مجلس مقاطعة حي المحمدي في خطوات أولية لمعالجة الاختلالات. فقد تم رصد غلاف مالي لتهيئة بعض المحاور، مع إطلاق مشروع اعتماد إنارة LED في ثلاثة شوارع رئيسية، إضافة إلى إخضاع نقاط سوداء في شبكة الصرف لمراجعة تقنية من طرف شركة “كازا أميناجمون”.
ورغم أن هذه التدخلات تبقى محدودة حتى الآن، إلا أن سكان الحي يأملون أن تكون بداية مسار لإعادة الاعتبار لحيهم، الذي ظل لسنوات طويلة شاهداً على تاريخ اجتماعي ونضالي، قبل أن يصبح عنوانا للإهمال والتردي العمراني.