الأكثر مشاهدة

من درهم و20 إلى درهم ونصف.. القفزة الصامتة لسعر الخبز

في نشرات الحكومة، الخبز ما يزال يباع بـ1.20 درهم. وفي شوارع المدن وأزقة القرى، يباع فعليا بـ1.50 درهم.
أما الـ20 سنتيما التي يفترض أنها تفصل بين السعرين، فقد اختفت، كأنها لم تكن يوما جزءا من العملة الوطنية.

الواقع أن خبزة “المدعم” التي يفترض أن تكون رمزا لسياسة الحماية الاجتماعية، تحولت إلى شاهد صامت على ما يمكن تسميته بـ”الدعم النظري”، أو “الدعم المطبق على الورق فقط”، في زمن أصبح فيه السنتيم عملة منقرضة، والدرهم ونصف أمرا واقعا غير معلن.

دعم بلا سنتيمات.. وسوق بلا رقابة

رغم تأكيدات متواصلة من الحكومة، وعلى رأسها الوزير المنتدب في الميزانية فوزي لقجع، بأن سعر الخبز لن يتغير، فإن الجولة السريعة في أي حي شعبي، أو حتى راق، ستقودك إلى استنتاج بسيط: لا أحد يبيع الخبز بدرهم و20 سنتيما. ولا أحد يتعامل بالسنتيم أصلا.

- Ad -

والأغرب، أن لا بلاغ رسميا صدر لتوضيح هذه المفارقة. لا بنك المغرب خرج ليشرح سبب اختفاء العملات المعدنية الصغيرة.
ولا وزارة الاقتصاد كلفت نفسها عناء الاعتراف بأن السعر الرمزي لم يعد سوى وهم يومي يكرره الخطاب الرسمي دون تطبيق.

من “مؤامرة” النقود إلى صمت المخابز

مصادر مهنية عديدة أكدت أن اختفاء القطع من فئتي 10 و20 سنتيما هو السبب المباشر لهذه الزيادة الصامتة.
حتى إن بعض التجار، حين يسأل عن الـ”صوانت”، يضحك ضحكة قصيرة تشبه السخرية، وكأنك سألته عن الريال الفضي أو مليمات العهد البائد.

هل هو قرار غير معلن من بنك المغرب بسحب هذه الفئات من التداول؟
أم مجرد تهاون رسمي ترك السوق يعيد تحديد السعر وفق منطق العرض والطلب؟

المخابز نفسها، رغم التزامها الرسمي بعدم الزيادة، رفعت السعر فعليً. درهم ونصف هو ما يدفع، دون أن يقال ذلك علنا، ودون لافتات تشير إلى تغير السعر، فقط صمت متواطئ، يملأ الفراغ بين غياب النقود الصغيرة وتضخم كلفة الإنتاج.

في عمق هذا الملف، لا يدور الأمر حول 30 سنتيما فقط. بل حول الثقة في الخطاب الرسمي، والقدرة على تنفيذ الالتزامات الاجتماعية، ووجود مؤسسات تنظيمية قادرة على حماية المستهلك في مواجهة السوق.

فحين يصبح السعر المدعم مجرد رقم يتلى في المداخلات التلفزيونية، وينسى في الواقع، وحين لا يستطيع المواطن دفع ثمن خبزته إلا بدرهم ونصف، لأن “الصرف” انقرض، فهذا يعني أن الدعم لم يرفع رسميا، بل اختفى فنيا.

لقد ماتت السنتيمات بصمت، ودفنت معها فكرة الخبز المدعم. وكل ما تبقى… هو صمت حكومي أغلى من درهم ونصف.

مقالات ذات صلة