تخلت موسكو، في سابقة لافتة، عن توجيه الدعوة للجزائر للمشاركة في احتفالات “يوم النصر” الأخيرة، وفضلت الترحيب برؤساء مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في خطوة تعكس تحولا في الحسابات الجيوسياسية الروسية داخل القارة الإفريقية.
القرار لم يمر دون إثارة موجة من التحليلات حول ما إذا كانت الجزائر، التي دأبت لعقود على الادعاء بكونها “حليفا استراتيجيا” لروسيا، بصدد فقدان مكانتها على طاولة النفوذ في علاقات الكرملين الخارجية.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، لم يخف لهجته الصريحة، حين قال بالحرف: “من لا يملك وزنا ولا مواقف، لا مكان له على طاولة الكبار”. تصريح قرأه كثيرون على أنه موجه مباشرة للجزائر، المتأرجحة منذ سنوات بين شعارات عدم الانحياز وتناقضات خطابها السياسي الخارجي.
استبعاد الرئيس عبد المجيد تبون من حدث يحمل طابعا رمزيا كبيرا مثل “يوم النصر” لا يمكن عزله عن المسار الجديد الذي تتبناه موسكو، والذي يميل بشكل واضح نحو الشراكات الصلبة والواضحة، لا المجاملة ولا المواقف الرمادية.
ثلاثي الساحل الإفريقي الجديد – باماكو، واغادوغو ونيامي – الذين حضروا دعوة الكرملين، باتوا يحظون بثقة موسكو، ليس فقط بسبب التقارب العسكري، بل أيضا بفعل انسجامهم السياسي مع المصالح الروسية المتزايدة في إفريقيا، خصوصا مع الانكفاء الغربي وارتباك باريس في المنطقة.
في المقابل، بدت الجزائر وكأنها فقدت بوصلتها الخارجية، بين تبني خطاب معاد للغرب من جهة، ومحاولة الحفاظ على قنوات خلفية مع الأوروبيين من جهة أخرى، مما جعلها، في نظر الروس، شريكا “بلا موقف حقيقي”، وهو ما يفسر إقصاءها الصامت.
رسالة موسكو واضحة: زمن الغموض والتذبذب قد انتهى، ومن يريد أن يكون في قلب التحالفات الجديدة، عليه أن يحسم خياراته بعيدا عن الخطاب المتردد والتناقضات الدبلوماسية التي تكلف أكثر مما تفيد.