قبيل أشهر من تدشين مشروعه البحري الأضخم، يشعل المغرب فتيل القلق في الضفة الشمالية للمتوسط. ميناء “الناظور غرب المتوسط”، الذي يطل على مسافة تقارب 50 كيلومترا فقط من مليلية المحتلة، لم يعد مجرد ورش ضخم في طور الإنجاز، بل تحول إلى “شبح لوجستي” يقلق كبريات الموانئ الإسبانية، وعلى رأسها ميناء “الجزيرة الخضراء” الذي لطالما شكل البوابة الأوروبية الأولى نحو إفريقيا.
المعطيات الرقمية تكشف حجم التحدي: طاقة استيعابية مبدئية تناهز 3,5 ملايين حاوية سنويا، مع إمكانية التوسعة إلى 5,5 ملايين حاوية، وهي أرقام تقترب من أداء ميناء الجزيرة الخضراء الذي سجل 4,7 ملايين حاوية في 2024. هذا التحول يهدد بخلخلة التوازنات في واحد من أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم.
استنفار في الجنوب الإسباني
أمام هذا التهديد الصاعد، لم تتأخر سلطات الجزيرة الخضراء في إطلاق خطة توسعة “إيسلا بيردي – المرحلة B”، لرفع قدرتها الإجمالية إلى 7 ملايين حاوية سنويا، مستعينة باستثمارات كورية جنوبية تفوق 150 مليون يورو. لكن، وفق خبراء لوجستيين إسبان، المعركة لن تكون سهلة، لأن الموانئ المغربية تراهن على تكلفة تشغيل منخفضة، وحوافز جبائية، وتحرر من آلية تسعير الكربون الأوروبية (ETS)، في وقت تغرق فيه الموانئ الأوروبية في بحر من القيود التنظيمية والبيئية.
بروكسيل في قفص الاتهام
الصدمة الإسبانية تضاعفت مع إعلان البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية (BERD) ضخ أكثر من 300 مليون يورو لدعم المشروع المغربي،.. إضافة إلى منح بيئية مرتبطة بتأهيل المنطقة الصناعية المحاذية للميناء. دوائر نافذة في مدريد وسبتة ومليلية اعتبرت هذه الخطوة “دعما أوروبيا لخصم تجاري”،.. في وقت تطالب فيه موانئ الجنوب الإسباني بحماية أكبر من بروكسيل.
رهان المغرب لا يتوقف عند الحاويات. المشروع يتضمن منطقة صناعية حرة على مساحة 8.000 هكتار،.. ومنصة طاقية متكاملة تضم محطات للمحروقات والفحم،.. إضافة إلى محطة عائمة للغاز الطبيعي المسال (GNL) متصلة بأنبوب الغاز المغاربي-الأوروبي،.. ضمن استراتيجية انتقال طاقي ترصد لها الرباط 11 مليار يورو حتى 2030.
مع نجاح “طنجة المتوسط” في تحطيم أرقامه القياسية بـ10,2 ملايين حاوية و140 مليون طن من البضائع في 2024، يبدو أن المغرب يمضي بخطى ثابتة نحو بسط هيمنته على حركة الشحن في غرب المتوسط. هذا التحول لا ينذر فقط بمنافسة اقتصادية شرسة،.. بل بمرحلة جديدة من إعادة رسم خرائط النفوذ اللوجستي بين الضفتين، وسط تحذيرات إسبانية من “تهديد استراتيجي” يتطلب تحركا عاجلا.