في خطوة وصفت بالمفصلية في مسار إصلاح المنظومة الصحية الوطنية، يستعد المغرب لإطلاق الورقة الإلكترونية للعلاج (FSE) ابتداء من سنة 2026، في مشروع تجريبي بمدينة القنيطرة قبل تعميمه تدريجيا على باقي جهات المملكة. هذه الخطوة تأتي ضمن رؤية وزارة الصحة لتحديث الخدمات، وتبسيط المساطر الإدارية، وتعزيز التواصل بين المرضى ومهنيي القطاع.
الورقة العلاجية الإلكترونية، إلى جانب الملف الصحي المشترك للمرضى، يمثلان جوهر المشروع الوطني للرقمنة الصحية. فبمجرد اعتماد النظام الجديد، ستتم معالجة جميع الخدمات الطبية — من استشارات وتحاليل وأدوية — بشكل رقمي بالكامل، ما سيسمح بتسريع عمليات التعويض وضمان شفافية أكبر في الفواتير.
وسيرسل كل ملف طبي عبر منصة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، أو مباشرة من برنامج الطبيب، مع إخطار المريض في كل مرحلة من مراحل المعالجة.
الهدف، بحسب الوزارة، هو القضاء على الورق تماما وتوفير نظام صحي متكامل يتيح للطبيب الاطلاع على السجل الكامل لمريضه في مختلف المؤسسات الصحية، دون الحاجة إلى ملفات أو وثائق يدوية.
الميزة الأبرز في المشروع هي تقليص آجال التعويضات الطبية، بفضل الربط المباشر بين العيادات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى جانب تخفيض تكاليف التسيير الإداري. كما ستمكن الرقمنة من تحسين جودة الإحصاءات الطبية وضمان تتبع دقيق للأمراض المزمنة وحالات الاستشفاء.
وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين الطراوي أكد في تصريح لقناة “2M” أن هذه الخطوة “ستضع حدا نهائيا للورقة التقليدية للعلاج”، مضيفا أن المرحلة الانتقالية ستعرف تعايش النسختين الورقية والإلكترونية إلى حين جاهزية البنية الرقمية بشكل كامل.
رغم الطابع الطموح للمشروع، أبدى عدد من الأطباء تحفظات واضحة بشأن طريقة تنزيله. الدكتور سعيد عفيف، رئيس الهيئة النقابية الوطنية للأطباء الاختصاصيين في القطاع الخاص (CSNMSP)، أوضح في تصريح لـ“SNRTnews” أن الرقمنة “فكرة إيجابية في جوهرها، لكنها لم تبن على تشاور فعلي مع الفاعلين الميدانيين”.
وأكد أن الأطباء لم يستشاروا في مرحلة الإعداد، بل تمت دعوتهم فقط لاجتماعات إخبارية، مشددا على أن “أي إصلاح رقمي لا يمكن أن ينجح دون إشراك فعلي للمهنيين ودعم لوجيستي وتقني لهم”.
من بين أبرز الإشكالات التي يثيرها الأطباء، التكلفة العالية لتكييف العيادات مع النظام الرقمي الجديد، سواء من حيث شراء المعدات أو تكوين الموظفين. الدكتور عفيف دعا الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى المساهمة في تغطية جزء من التكاليف بنسبة 50%، على غرار النموذج الفرنسي الذي تتكفل فيه الهيئة الوطنية للتأمين الصحي (CNAM) بدعم الرقمنة الطبية.
لا يختلف اثنان على أن الورقة الإلكترونية للعلاج تمثل نقلة نوعية نحو نظام صحي أكثر كفاءة وشفافية، لكنها أيضا اختبار لقدرة الدولة على إقناع الفاعلين الميدانيين بالانخراط فيها. فنجاح المشروع، كما يؤكد الأطباء، لن يتحقق إلا بـ”شراكة رابحة للجميع” تضمن مصالح المرضى والمهنيين ومؤسسات التأمين.