تستمر المملكة المغربية في تعزيز أمنها الطاقي وتنويع مصادرها، وذلك في إطار سلسلة من المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأحفورية والتقليل من الانبعاثات الكربونية. جاء ذلك بعد أن توقفت الجزائر عن تزويد المغرب بالغاز الطبيعي عبر الأنبوب المغاربي، محاولة بذلك إضعاف الاقتصاد المغربي. وفي الوقت الذي وجد فيه المغرب بديلا لهذا الإمداد عبر استيراد الغاز من إسبانيا باستخدام نفس خط الأنابيب، يتجه الآن نحو بناء منشآت جديدة لتعزيز قدراته الإنتاجية.
مشروع جديد لتوليد الكهرباء بالغاز في المغرب
أعلن المدير العام للوكالة الوطنية للكهرباء والماء الصالح للشرب (ONEE)، طارق حمان، خلال مؤتمر صحفي عقد يوم الأربعاء 29 يناير 2025 بالدار البيضاء، عن استثمار يتجاوز 27 مليار درهم على مدى السنوات الخمس القادمة، بهدف تطوير شبكة الكهرباء بالمملكة وتعزيز دمج مصادر الطاقة المتجددة، خصوصا في جهات الجنوب والجنوب الشرقي. وتأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجية تم إطلاقها منذ عام 2009 بأمر من جلالة الملك محمد السادس، والتي تهدف إلى رفع نسبة الطاقة المتجددة في القدرة الكهربائية المركبة إلى أكثر من 52% بحلول عام 2030. ويذكر أن المغرب قد حقق بالفعل نسبة تبلغ 44.3% من الطاقة المتجددة، بما يعادل حوالي 5400 ميغاواط، موزعة بين الطاقة الريحية (2400 ميغاواط)، والطاقة الكهرومائية (2100 ميغاواط)، والطاقة الشمسية (900 ميغاواط).
ومن بين أهم المشاريع ضمن هذا البرنامج الاستثماري، يخطط ONEE لبناء محطة توليد كهرباء بالغاز، تحمل اسم “الوحدة”، وبقدرة تبلغ 990 ميغاواط، وذلك بالقرب من خط الأنابيب المغربي الأوروبي. بلغت تكلفة هذا المشروع حوالي 4.15 مليار درهم (ما يقارب 420 مليون دولار)، حيث سيساهم ONEE بنسبة 20% من إجمالي التكاليف، فيما يتولى consortium يضم “التجاري وفا بنك”، و”بنك أفريقيا”، بالإضافة إلى صندوقي التوريق FT Nord Energy وFT Flexenergy تغطية النسبة المتبقية. وستعمل المحطة بواسطة توربينين غازيّين بنظام الدورة المفتوحة، مع توفير وقود الديزل كخيار احتياطي لضمان استمرارية التشغيل.
استثمار ضخم لضمان مستقبل طاقوي مستدام للمغرب
وتعزز هذه المبادرة من شراكة المملكة مع إسبانيا، إذ تستمر أيضا أعمال بناء محطة لتصدير الغاز الطبيعي في ميناء الناظور غرب المتوسط، مما يزيد من قدرة المغرب على استيراد الغاز الطبيعي بكفاءة أكبر. وتجدر الإشارة إلى أن إجمالي الطاقة المركبة في المغرب وصل إلى 11,918 ميغاواط في عام 2024، حيث يهيمن الفحم على المشهد الطاقي، مما يجعل هذه الخطوة نحو توليد الطاقة بالغاز تحولا هاما في مسار خفض الانبعاثات الكربونية.
ومنذ أن اتخذت الجزائر قرارها الأحادي بوقف إمدادات الغاز في أكتوبر 2021، أصبح المغرب يستورد الغالبية العظمى من احتياجاته الغازية من إسبانيا عبر خط الأنابيب المغربي الأوروبي، مما وضعه في مصاف الوجهات الرئيسية لصادرات الغاز الإسباني، متجاوزا حتى فرنسا وإيطاليا. ويأتي هذا التطور في إطار سعي المغرب الدائم لتأمين إمدادات الطاقة بأسعار تنافسية من خلال توقيع عقود مع عدة دول مصدرة للغاز الطبيعي المسال.
وبناء على هذه الاستراتيجيات والمشاريع، يعمل المغرب على تحقيق توازن بين تلبية الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية والحفاظ على البيئة، عبر تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يسهم في تعزيز الاستقلال الطاقي والاقتصادي للبلاد مع تقليل بصمتها الكربونية على المدى البعيد.