تشهد الأوساط الأكاديمية والعلمية ظاهرة متزايدة تتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في إعداد المنشورات العلمية، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في جودة بعض الدراسات المنشورة. وقد رصدت في الآونة الأخيرة حالات مثيرة للجدل تكشف عن استخدام غير ملائم لأدوات الذكاء الاصطناعي، مثل “تشات جي بي تي”، ما أدى إلى نشر دراسات تحتوي على أخطاء فادحة وبيانات غير دقيقة.
إحدى أبرز الحوادث التي شهدتها الساحة الأكاديمية كانت في بداية العام الجاري،.. حيث أثارت صورة غير دقيقة لفأر مع عضو تناسلي مبالغ في حجمه انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي جدلا واسعا، مما دفع دار النشر الجامعية المرموقة “فرونتيرز” إلى سحب الدراسة التي نشرت الصورة. كما تم سحب دراسة أخرى الشهر الماضي بعد اكتشاف صورة لساق بشرية تحتوي على عدد غير منطقي من العظام.
وتكشف هذه الحوادث عن تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي في إنتاج المحتوى العلمي،.. رغم أن الأخطاء الواضحة التي نجمت عن ذلك لا تزال نادرة نسبيا ولم تتمكن من المرور عبر لجان المراجعة العلمية في المجلات ذات السمعة العالية. ومع ذلك، فإن هذه الأخطاء تشير إلى وجود ممارسات غير نزيهة قد تؤثر على مصداقية البحوث العلمية.
وفي إطار محاولات فهم مدى انتشار هذه الظاهرة، أجرى أندرو غراي،.. أمين مكتبة جامعة “يونيفيرسيتي كولدج” اللندنية، دراسة استقصائية على ملايين المقالات العلمية،.. مستندا إلى كلمات مفتاحية شائعة الاستخدام في أدوات الذكاء الاصطناعي مثل “دقيق” و”معقد” و”جدير بالثناء”. وخلص إلى أن الذكاء الاصطناعي قد استخدم في إعداد نحو 60 ألف مقال علمي في عام 2023،.. وهو ما يمثل حوالي واحد في المئة من إجمالي الإنتاج السنوي، مع توقعات بزيادة كبيرة في هذا الرقم خلال عام 2024.
الذكاء الاصطناعي يخلق أزمة في المنشورات العلمية
وفي سياق متصل،.. أشارت جمعية “ريتراكشن ووتش” الأمريكية إلى أن عام 2023 شهد رقما قياسيا في عدد المقالات العلمية المسحوبة،.. حيث بلغ عددها 13 ألفا. ويعزى جزء كبير من هذه السحب إلى “مصانع الدراسات” التي تستغل الذكاء الاصطناعي لإنتاج مقالات علمية بجودة متدنية أو حتى زائفة.
وتحذر عالمة الأحياء الدقيقة الهولندية إليزابيث بيك من أن هذه “المصانع” التي يتم تمويلها من قبل باحثين يسعون لزيادة إنتاجهم العلمي،.. قد تكون مسؤولة عن نحو 2% من الدراسات المنشورة سنويا، وأن هذا الرقم في تصاعد مستمر بفعل استخدام الذكاء الاصطناعي.
من جانبه، أكد إيفان أورانسكي، أحد مؤسسي جمعية “ريتراكشن ووتش”،.. أن الذكاء الاصطناعي يسهم في تفاقم “مشكلة ساحقة” تتمثل في الضغط المتزايد على الباحثين للنشر في ظل الطلب الكبير من الجامعات والناشرين. هذا الضغط قد يدفع البعض إلى اللجوء إلى أدوات غير نزيهة لإنتاج المقالات،.. مما يعزز حلقة مفرغة تهدد جودة البحث العلمي.
وفي محاولة لمكافحة هذه الظاهرة،.. أطلقت شركة “وايلي” الأمريكية خدمة جديدة تعتمد أيضا على الذكاء الاصطناعي لرصد عمليات الاحتيال المتعلقة بالمقالات العلمية،.. وهي خطوة مهمة لكنها قد تكون غير كافية لمعالجة المشكلة بشكل كامل.
ومع ذلك، تظل التحديات قائمة،.. كما أظهرت حادثة حديثة اكتشف فيها أستاذ المعلوماتية الحيوية في جامعة بريغهام يونغ، سامويل باين،.. أن أحد مقالاته قد أعيدت كتابته ونشر باستخدام “تشات جي بي تي” في مجلة علمية دون إذنه. ورغم رفضه الموافقة على نشر المقال عندما أدرك أنه مسروق، فوجئ بنشره في مجلة أخرى.