الأكثر مشاهدة

بعد فاجعة حافلة الحراش.. رئيس الحكومة الجزائرية “يدفع الثمن” في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي

شهدت الساحة السياسية الجزائرية، يوم الخميس 28 غشت 2025، زلزالا جديدا بعدما أقدم الرئيس عبد المجيد تبون على إقالة الوزير الأول نادر لعرابوي من مهامه بشكل مفاجئ. وقد أوكلت رئاسة الحكومة، في صيغة مؤقتة، إلى وزير الصناعة والإنتاج الصيدلي سيفي غريب، الذي يتولى هذا المنصب الوزاري منذ نونبر 2024. خطوة كانت متوقعة لدى المتتبعين، لكنها تطرح سؤالا جوهريا: هل يكفي تغيير رئيس الحكومة لإنقاذ ولاية تبون؟

الأزمة الحكومية تزامنت مع صدمة إنسانية كبيرة أثارت الرأي العام الجزائري والدولي. ففي 16 غشت الجاري، انقلبت حافلة تقل نحو خمسين مسافرا من فوق جسر وسقطت في مجرى وادي الحراش الملوث بضواحي العاصمة، ما أدى إلى مصرع 18 شخصا وإصابة 23 آخرين. هذا الحادث المأساوي فجر موجة غضب عارمة وسط المواطنين الذين عبروا عن سخطهم، رغم الرقابة الصارمة المفروضة على النقاش العام.

غياب تبون عن المشهد لأسابيع طويلة زاد من حدة الجدل. فقد ترددت معلومات عن سفره المتكرر للعلاج خارج البلاد، بينما ظهر رئيس أركان الجيش سعيد شنقريحة في الواجهة، متنقلا بين المستشفيات لزيارة الضحايا وموجها رسائل إعلامية قوية. في المقابل، تأخر الوزير الأول المقال نادر لعرابوي في زيارة مكان الحادث، ولم يحضر إلا بعد مرور يومين، ما أثار الشكوك حول تهميشه أو منعه من منافسة نفوذ شنقريحة.

- Ad -

وبينما كان لعرابوي يعيش آخر أيامه السياسية، عاد تبون إلى الظهور بعد عشرين يوما من الغياب، ليترأس اجتماعا وزاريا وأمنيا بحضور شنقريحة والجنرال حسن، مسؤول الاستخبارات الداخلية. غياب لعرابوي عن هذا اللقاء كان بمثابة إشارة واضحة إلى أن قرار إقالته قد اتخذ مسبقا، في وقت وصف فيه بـ”كبش الفداء” للأزمة.

صحيفة لو ماتان د’الجيري لخصت الوضع بقولها إن “التعديل ليس سوى حلقة جديدة في مسلسل الفشل”، معتبرة أن السلطة الفعلية بيد مؤسسة الرئاسة، التي تسيطر على القرار السياسي دون آليات للمحاسبة أو رؤية واضحة.

غير أن جذور الغضب الشعبي لا تقتصر على إقالة الوزراء، بل ترتبط بالسياسات المتبعة منذ سنوات. فمنذ 2019، فرض تبون قيودا صارمة على استيراد السيارات وقطع الغيار والإطارات، بحجة حماية احتياطي العملة الصعبة. لكن هذه الإجراءات ساهمت، وفق معارضين، في ارتفاع كارثي لحوادث السير بسبب تهالك الأسطول الوطني للنقل العمومي. ورغم حديث الإعلام الرسمي عن استيراد “تاريخي” لعشرة آلاف حافلة وإطارات جديدة، إلا أن الخطوة لم تقنع الرأي العام.

التاريخ السياسي القريب يكشف أن تبون غير أربعة رؤساء حكومات خلال أقل من ست سنوات. البداية مع عبد العزيز جراد الذي استقال عقب انتخابات يونيو 2021، تلاه أيمن بن عبد الرحمان الذي أقيل في نونبر 2023، ثم نادر لعرابوي الذي صعد بسرعة بعد إشرافه على تنظيم قمة الجامعة العربية في 2022، قبل أن تتم الإطاحة به الآن. أما خلفه المؤقت سيفي غريب، فهو خريج علوم الفيزياء والكيمياء، وهو ما يميزه عن أسلافه ذوي التكوين الاقتصادي والمالي، غير أن مهمته تبدو شكلية أكثر من كونها إصلاحية.

في الكواليس، تتداول مصادر سياسية إمكانية أن يخلفه وزير النقل الحالي سعيد صايود، المعروف بقربه من دوائر القصر الرئاسي، وباسمه المتكرر في ملفات فساد.

السؤال المطروح اليوم: هل تنقذ هذه المناورات السياسية ما تبقى من ولاية تبون؟ الأصوات المعارضة، خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تربط بين قراراته الاقتصادية وبين تصاعد كوارث الطرقات. وإذا استمر هذا الضغط، فإن مصير الرئيس قد يكون على المحك، وسط توقعات بأن عهده لن يبلغ خط النهاية.

مقالات ذات صلة