كانت المنطقة الشرقية المغربية والقرى المحيطة بها قاعدة عسكرية خلفية حيوية لدعم جيش التحرير الجزائري، وقد نشأت هذه القاعدة بهدف التصدي للحواجز الحدودية التي أقامتها فرنسا لمنع إمداد جبهة التحرير الجزائرية. مع اندلاع الثورة الجزائرية في الخمسينيات، تمركزت القيادات العسكرية الخلفية في عدد من المراكز المتفرقة، والتي تجاوز عددها 12 مركزا، ممتدة على طول الحدود الشرقية بدءا من وجدة مرورا ببركان وسعيدية ورأس كبدانة وصولا إلى الناظور. وقد أولت القيادة العسكرية اهتماما خاصا لمراكز منطقة الناظور بعد أن أخلتها القوات الإسبانية في تلك الفترة.
أحد أبرز هذه المراكز كان مركز الكبداني، الذي لعب دورا مهما في تدريب الثوار الجزائريين على المهارات القتالية واستخدام الأسلحة والمتفجرات. كان هذا المركز أيضا نقطة رئيسية لتنظيم جيش التحرير الجزائري وتوفير الإمدادات العسكرية واللوجستية للمناطق الحدودية بين المغرب والجزائر، حيث كانت تلك المناطق تشكل أهمية استراتيجية. من خلال هذا المركز، تم تأمين وصول الأسلحة والمؤن واستقبال الجرحى القادمين من الجزائر، كما تم تخزين الأدوية والمساعدات التي تصل من الدول الداعمة للثورة الجزائرية، قبل أن ترسل إلى الجزائر عبر جبل العصفور وأيت سنوس.
شهد المركز زيارات عديدة لقادة الثورة الجزائرية بهدف التشاور والتدريب على الخطط الحربية،.. ومن أبرز هؤلاء القادة الهواري بومدين، وبن يوسف بنخدة،.. رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة في عام 1959، وعبد العزيز بوتفليقة،.. الذي تلقى تدريبا في هذا المركز عندما انضم إلى جيش التحرير في سن التاسعة عشرة.
كبدانة قاعدة خلفية للثورة الجزائرية
كانت قبيلة كبدانة ممرا آمنا للقادة العسكريين الجزائريين، بفضل تضحيات أفرادها ودعمهم الكبير للثورة الجزائرية. لقد كانت المنطقة ملاذا للقادة الجزائريين مثل الهواري بومدين، الذي كان يتردد على قبيلة كبدانة باستمرار،.. وذلك بسبب علاقاته الواسعة ومعارفه في المنطقة. في يوليوز 1957، نزل بومدين ضيفا على صديقه الحاج صالح بنطالب في دوار تيجوت،.. حيث تزامنت زيارته مع احتفال الكبدانيين بعادة “تسونا”. ولكن سرعان ما تعرض الدوار لهجوم من قبل طائرتين حربيتين فرنسيتين،.. بعدما علمت القوات الفرنسية بوجود بومدين من خلال التنصت على اتصالاته. ورغم القصف الشديد، نجا بومدين وصديقه بأعجوبة بفضل سرعة تفطنهما للموقف والتوجه نحو المخابئ المعدة لهذا الغرض. ولحسن الحظ، كان معظم السكان خارج منازلهم للمشاركة في الاحتفالات،.. مما ساعد على تقليل الخسائر البشرية إلى حد كبير.
ساهم أهل كبدانة بشكل كبير في دعم الثورة الجزائرية، من خلال تزويد جيش التحرير بالسلاح والمساعدات اللوجستية. كما لعبوا دورا حيويا في حدث تاريخي هام تمثل في استقبال سفينة “دينا” عام 1955،.. التي كانت محملة بأكثر من 13 طنا من العتاد الحربي، حيث تم تفريغ الأسلحة في أيت بوعرفة بفضل جهودهم في النقل والحماية.