في تحول دبلوماسي لافت، بدأت كل من الصين وروسيا تعيدان رسم مواقفهما من ملف الصحراء المغربية، في إشارة إلى تقاطع مصالح اقتصادية واستراتيجية متنامية دون أن يصل الأمر بعد إلى إعلان دعم صريح للمقترح المغربي. تقرير حديث صادر عن مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد (Policy Center for the New South) يكشف عن ملامح هذا التغير الهادئ، مشيرا إلى أن خطة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب سنة 2007 قد تصبح نقطة التقاء غير مسبوقة بين بكين وموسكو.
التقرير، الذي أعده الباحث رِضا ليموري والدكتورة فدوى عماري، يؤكد أن الاستقرار الإقليمي الذي قد توفره تسوية تفاوضية يعزز مصلحة القوتين العظميين. فمنذ منتصف السبعينيات، التزمت الصين الحذر ولم تعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، لكنها لم تعلن رسميا تأييدها لسيادة المغرب. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت مؤشرات واضحة؛ أبرزها تصويتها لصالح القرار الأممي 2602 عام 2021، الذي عد خطوة مؤيدة لمقترح الحكم الذاتي.
التعاون الاقتصادي بين المغرب والصين يرسخ هذا التقارب؛ فقد تجاوزت المبادلات التجارية بين البلدين ثمانية مليارات دولار عام 2023، مدعومة بمشاريع كبرى مثل مصنع “غوشن هاي-تيك” للبطاريات في القنيطرة وحضور الشركات الصينية في ميناء طنجة المتوسط. كما أن استبعاد “البوليساريو” من منتدى التعاون الصيني-الإفريقي الأخير اعتبر رسالة ضمنية بشأن شرعية تمثيلها.
أما روسيا، التي لطالما مالت نحو الجزائر، فقد عدلت خطابها منذ توقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية مع المغرب سنة 2016. وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أكد أن “أي حل لا يمكن فرضه على الأطراف”، بينما اختارت موسكو الامتناع بدل استخدام الفيتو في تصويتات تخص بعثة المينورسو، في إشارة إلى رغبتها في عدم الإضرار بعلاقاتها مع الرباط. توقيع اتفاق صيد بحري يشمل مياه الصحراء بين موسكو والرباط، دون اعتراض جزائري أو من “البوليساريو”، عد بدوره سابقة.
التقرير يرى أن مقترح الحكم الذاتي المغربي ينسجم مع ثلاثة مبادئ ترفعها بكين وموسكو في سياساتهما: عدم التدخل، احترام السيادة، وضمان الاستقرار الإقليمي. بالنسبة للصين، فإن الإبقاء على الحدود القائمة وعدم خلق كيانات جديدة يمثل ضمانة ضد أي ارتدادات قد تمس وحدتها الترابية في قضايا مثل تايوان أو التيبت. أما موسكو، فترى في المغرب شريكا موثوقا في إفريقيا وورقة مؤثرة لتوسيع حضورها في الساحل.
ويخلص معدّا التقرير إلى أن تحول هذا الزخم الهادئ إلى دعم علني قد يعزز الاستقرار في المغرب الكبير ويفتح الباب أمام تعاون اقتصادي ودبلوماسي أوسع. لكنهما يحذران من أن هذا التحول يتطلب إرادة سياسية صريحة تتجاوز لغة الإشارات غير المباشرة. وبينما يستمر “اللعب الكبير” على رقعة الشطرنج الجيوسياسية، يظل ملف الصحراء المغربية عاملًا يعيد رسم توازنات القوى بين الشرق والغرب في شمال إفريقيا.