تتجه العدالة الجنائية في المغرب إلى مرحلة جديدة ستعيد صياغة معايير العقاب والتأهيل. فلم يعد السجن هو الخيار الوحيد، بل دخلت العقوبات البديلة حيز التفعيل بعد اعتماد القانون رقم 43.22، الذي ينتظر أن يغير وجه المنظومة القضائية، لاسيما في ما يتعلق بالجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات.
القانون، الذي تم التصويت عليه سنة 2024 ودخل حيز التطبيق بموجب مرسوم صدر في ماي 2025، يهدف إلى تقليص اللجوء إلى الحبس في القضايا البسيطة، وتوفير فرص لإعادة الإدماج وخفض الضغط على المؤسسات السجنية.
أربعة بدائل للعقوبة الحبسية
القانون الجديد يحدد أربع صيغ للعقوبات البديلة:
- العمل من أجل المنفعة العامة: يتراوح بين 40 و3600 ساعة، وكل ثلاث ساعات تعادل يوم حبس.
- المراقبة الإلكترونية: عبر سوار يحدد مجال التنقل وساعاته تحت إشراف قضائي.
- تقييد الحقوق أو الخضوع لمراقبة خاصة: مثل الإقامة الجبرية أو العلاج الإجباري.
- الغرامة اليومية: تعويض السجن بمبلغ يتراوح بين 100 و2000 درهم عن كل يوم.
من يستفيد ومن يستبعد؟
القانون يستثني بشكل صارم مجموعة من الجرائم الخطيرة، من بينها:
- المس بأمن الدولة
- الإرهاب
- الرشوة
- غسل الأموال
- الجرائم العسكرية
- الاتجار الدولي في المخدرات
- الاستغلال الجنسي للقاصرين وذوي الإعاقة
ومع ذلك، يمكن للمدانين بغير هذه الجرائم أن يستفيدوا من العقوبات البديلة حتى بعد صدور الحكم، إذا توفرت شروط مثل: حسن السلوك، الوضعية الصحية أو الأسرية، أو تصالح الأطراف.
من يقرر؟ ومن يراقب؟
تمنح الصلاحية للنيابة العامة لاقتراح أو رفض تنفيذ عقوبة بديلة، كما يمكن للقاضي أن يصدرها بناء على ملابسات الملف.
يتولى قاضي تطبيق العقوبات تفعيل العقوبة، وتقوم المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بمتابعة التنفيذ على الأرض.
هذه المؤسسة مطالبة بإعداد سجلات رقمية، توقيع اتفاقيات مع الجهات المستقبلة، تركيب وإزالة الأساور، والتعامل مع الإشعارات الناتجة عن خرق شروط العقوبة.
تحديات التنفيذ وخارطة الطريق
رغم أن التطبيق الكامل لهذه العقوبات مرتقب في غشت 2025، فإن بعض الجوانب ما تزال قيد التهيئة، مثل اقتناء الأجهزة الإلكترونية، وضمان السيادة الرقمية، وإعداد الموارد البشرية.
الحكومة تسابق الزمن لتسريع الإجراءات التقنية والقانونية، خصوصا أن مجلس الحكومة صادق في 22 ماي 2025 على أول مرسوم تطبيقي يحدد مهام كل طرف، وعلى رأسهم المندوبية العامة، النيابة العامة، ورئاسة النيابة العامة، بالإضافة إلى لجنة محلية يرأسها العامل ستشرف على التنسيق في الميدان.
هذا التحول لا يقتصر فقط على تغيير في الأدوات القانونية، بل يحمل رؤية جديدة في فلسفة العقاب، تقوم على الإدماج عوض الإقصاء، والمسؤولية بدل التهميش، وهو ما يعتبره كثيرون خطوة جريئة تعيد الاعتبار للعدالة المغربية وتجعلها أكثر إنسانية وفعالية.