في سياق اقتصادي يشهد استقرارا نسبيا للتضخم وتعديلات في السياسة النقدية، شهدت حسابات الادخار في المغرب خفضا جديدا في معدلات العائد خلال النصف الأول من عام 2025، مما أثار تساؤلات حول مدى جاذبيتها كأداة للادخار ومدى تأثر القدرة الشرائية للمدخرين بهذا التراجع.
اعتبارا من 1 يناير 2025، انخفضت نسبة الفائدة على حسابات الادخار إلى 2,21%، مقارنة بـ 2,48% خلال النصف الثاني من عام 2024، لتواصل مسار التراجع الذي بدأ بعد بلوغ هذه العوائد ذروتها في عام 2023. وجاء هذا القرار في سياق تخفيض بنك المغرب لسعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماعه في 17 ديسمبر 2024، ليصل إلى 2,5%.
ورغم هذا التراجع، فإن العلاقة بين سعر الفائدة الرئيسي والعائدات الادخارية ليست مباشرة، إذ تقوم البنوك عادة بتعديل معدلات الفائدة على الادخار وفقا لتحركات سندات الخزينة لأجل 6 أشهر، والتي تتأثر بدورها بالسياسات النقدية العامة، ولكن بطريقة تدريجية.
الربحية الحقيقية لحسابات الادخار
التحليل الاقتصادي لهذه الأوضاع يعتمد على العائد الحقيقي لحسابات الادخار، أي الفارق بين نسبة الفائدة ومعدل التضخم. وفقا لتوقعات المندوبية السامية للتخطيط، سيبلغ معدل التضخم 2,1% خلال عام 2025، ما يجعل العائد الحقيقي لحسابات الادخار في حدود 0,11% فقط، وهو مستوى ضعيف جدا بالكاد يحفظ قيمة الادخار من التآكل بفعل التضخم.
في المقابل، كان العائد الحقيقي أكثر جاذبية في النصف الثاني من 2024، حيث بلغ 1,58% بسبب انخفاض معدل التضخم آنذاك إلى 0,9%. غير أن الارتفاع المتوقع في الأسعار خلال 2025 سيؤدي إلى تقليص جاذبية حسابات الادخار، ما قد يدفع المدخرين للبحث عن بدائل أكثر ربحية.
كيف يؤثر ذلك على المدخرين؟
لنأخذ مثالا على إيداع مبلغ 10,000 درهم في حساب ادخاري من بداية يناير حتى نهاية يونيو 2025:
- مع سعر فائدة 2,21%، سيحصل المدخر على 77,35 درهم كأرباح صافية بعد خصم الضريبة البالغة 30%.
- في المقابل، سيؤدي التضخم إلى تآكل القدرة الشرائية لهذا المبلغ بنحو 105 دراهم خلال نفس الفترة.
بالتالي، فإن القيمة الحقيقية للمبلغ ستنخفض إلى 9,972.35 درهم، أي أن المدخر سيتعرض لخسارة فعلية قدرها 27.65 درهم، رغم تحقيقه لعائد مالي اسمي.
هل هناك بدائل أكثر جاذبية؟
مع تراجع جاذبية الحسابات الادخارية، من المحتمل أن يتجه المدخرون نحو خيارات أخرى، مثل:
- صناديق الاستثمار النقدية (OPCVM monétaires): التي تستثمر في سندات الخزينة قصيرة الأجل وتوفر عوائد أعلى مع مستوى سيولة مشابه لحسابات الادخار.
- الودائع لأجل: تقدم معدلات فائدة أعلى، لكنها تتطلب حجز الأموال لفترة زمنية محددة.
- السندات الحكومية متوسطة وطويلة الأجل: توفر حماية أفضل ضد التضخم، ولكنها تفتقر إلى المرونة والسيولة الفورية.
هل ما زالت حسابات الادخار خيارا جيدا؟
بالنظر إلى الوضع الحالي، تظل حسابات الادخار خيارا مناسبا للأفراد الذين يبحثون عن وسيلة ادخار مرنة وسريعة، لكنها لم تعد توفر أرباحا كافية للحفاظ على قيمة المدخرات بمرور الوقت. وعليه، فإن المدخرين الذين يطمحون إلى تحقيق عائدات حقيقية ملموسة سيجدون في البدائل الاستثمارية الأخرى خيارات أكثر جاذبية.