بعد أكثر من تسع سنوات على دخول أول تطبيق ذكي للنقل عبر السيارات الخاصة (VTC) إلى السوق المغربي، لا تزال مدينة الدار البيضاء، باعتبارها القطب الاقتصادي الأول للمملكة، تعيش على إيقاع صراع قانوني واجتماعي غير محسوم بين مقدمي هذه الخدمة الرقمية وسائقي سيارات الأجرة التقليدية. واقع يعكس إخفاقا هيكليا في بلورة نموذج تنظيمي يستوعب التغيرات التقنية، ويوازن بين حقوق الفاعلين ومصالح المستهلكين.
إخفاق في المواكبة التشريعية وسط تصاعد التوترات
في ظل غياب إطار قانوني واضح ينظم خدمات النقل عبر التطبيقات الذكية، مثل Uber وHeetch، وجدت السلطات المحلية نفسها أمام واقع مزدوج: من جهة ضغط اجتماعي متزايد من طرف مهنيي سيارات الأجرة المطالبين بحماية نشاطهم المهدد، ومن جهة أخرى إقبال متنام من المستهلكين الباحثين عن بدائل مرنة أكثر احترافية في الخدمة والتسعير.
وزارة الداخلية، التي تتولى الإشراف على القطاع، أبدت في الفترة الأخيرة نوعا من الانفتاح التشريعي، عبر إعلانها إعداد نصوص تنظيمية تهم تقنين استعمال التطبيقات الذكية في النقل الحضري، في إطار مقاربة “تشاركية”، تأخذ بعين الاعتبار مطالب سائقي الأجرة وسائقي النقل عبر التطبيقات على حد سواء. غير أن غياب جدول زمني محدد أو مسودة مشروع قانون، يثير تساؤلات في الأوساط الاقتصادية حول جدية الدولة في تسريع الإصلاح.
الدار البيضاء: حالة خاصة بنزاعات متكررة ومقاومة صلبة للتغيير
تتموقع الدار البيضاء كأرضية متفجرة لهذا الصراع، نظرا لتضخم عدد سيارات الأجرة، وارتفاع كثافة النقل، وتطور الطلب الحضري على خدمات نقل مرنة. فقد شهدت المدينة عدة حالات اعتداء واحتكاك جسدي بين سائقي الأجرة وسائقي سيارات النقل عبر التطبيقات، بلغت في بعض الأحيان حدود المتابعة القضائية.
حسب معطيات غير رسمية، يفوق عدد السيارات الخاصة العاملة بشكل غير نظامي عبر تطبيقات ذكية سقف 6 آلاف عربة في الدار البيضاء، أي ما يوازي تقريبا عدد سيارات الأجرة الصغيرة. وهو رقم يوضح اختلال التوازن التنافسي، في غياب إطار موحد للمراقبة والجباية.
تأخر التقنين لا يضر فقط بالفاعلين التقليديين أو الجدد، بل ينعكس سلبا على دينامية السوق بأكملها. فعدم وضوح الوضع القانوني يمنع شركات التكنولوجيا من الاستثمار طويل الأمد في السوق المغربي، كما يحول دون استفادة سائقي سيارات النقل عبر التطبيقات من التغطية الاجتماعية أو شروط العمل اللائق. في المقابل، يشعر سائقو سيارات الأجرة أن الدولة تفرض عليهم تكاليف تنظيمية وضريبية لا تشمل منافسيهم، ما يعتبره الفاعلون “تمييزا ضريبيا غير عادل”.
العديد من الجمعيات المهنية تقترح اليوم إنشاء تطبيق موحد خاص بسيارات الأجرة، يمكنه دمج تقنيات الحجز الإلكتروني وتتبع الرحلات والدفع غير النقدي، بهدف موازاة العرض التكنولوجي المتطور. غير أن مثل هذا المشروع يتطلب تمويلا، وتحديثا للبنية الرقمية، وتكوينا لسائقي الأجرة، وهي خطوات تفتقر إلى رؤية حكومية متكاملة حتى الآن.
الآفاق: نحو نموذج اندماجي أم استمرار الصراع؟
الحكومة المغربية، من خلال وزارة الداخلية وبتنسيق مع وزارتي النقل والاقتصاد الرقمي، مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى حسم هذا الملف العالق، إما عبر تبني نموذج إدماجي مرن يخضع جميع الفاعلين لمنظومة موحدة للترخيص والمراقبة، أو عبر صياغة إطارين قانونيين متوازيين ينظمان كل طرف على حدة وفق معايير واضحة.
غياب الحسم قد يطيل من عمر التوتر الاجتماعي، ويحد من فرص الاستثمار في النقل الحضري الذكي، ويعمق الإحساس بانعدام العدالة التنظيمية، لا سيما في مدينة مثل الدار البيضاء، التي تسعى جاهدة لتأهيل بنيتها التحتية وجذب الاستثمارات في إطار مخططها التنموي الجديد.