شهد المغرب في الآونة الأخيرة مشهدين متوازيين، يبدوان منفصلين للوهلة الأولى لكنهما يتقاطعان في العمق: انتصار كروي تاريخي لأشبال الأطلس على منتخب إسبانيا (2-0) في مونديال الشباب، مقابل حراك اجتماعي متسع تقوده فئة الشباب نفسها، جيل “Z”، المطالب بالعدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد.
في الملاعب، قدم المنتخب المغربي للشباب درسا في الانضباط والكفاءة، حيث تألق ياسر زابيري وياسين جسيم في هز شباك الخصم الإسباني، مؤكدين أن الطموح حين يلتقي مع الإعداد الجيد والإيمان بالذات يمكن أن يثمر تفوقا على أقوى المدارس الكروية. غير أن السؤال الذي يطرحه الشارع هو: لماذا يقتصر هذا التفوق على المستطيل الأخضر، بينما تظل قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم متعثرة؟
جيل اليوم، الذي يهتف في الساحات مطالبا بـ”إسقاط الفساد”، هو ذاته الذي رفع راية المغرب في المونديال. وهو لا يطالب بالمستحيل، بل يرغب في أن يجد في مدارس بلاده ومستشفياتها نفس مستوى التنافسية التي ظهرت على العشب الأخضر. فالفوز على إسبانيا في كرة القدم لا معنى له إن ظل الطالب المغربي يدرس في أقسام مكتظة، أو المريض يصطف في طوابير بلا علاج.
وسط هذا السياق، يبرز خطاب عدمي يختزل المطالب في مهاجمة النجاحات الرياضية أو الدعوة لمقاطعتها، وهو توجه يفتقد إلى البوصلة. فالإنجازات الكروية ليست سبب تراجع القطاعات الأخرى، بل هي نموذج يمكن استلهامه لتطويرها. المطلوب ليس هدم ما نجح، وإنما استنساخ التجربة: التخطيط، الاستثمار، والتسيير بالكفاءة.
إن المغرب يقف اليوم أمام فرصة لإعادة صياغة معادلته التنموية. جيل “Z” أظهر أنه قادر على قهر الكبار في الرياضة، لكنه يتطلع إلى قهر البطالة وضعف الخدمات وانعدام العدالة الاجتماعية. والتحدي المطروح على صناع القرار هو تحويل طاقة هذا الجيل من مجرد انتصارات رياضية إلى مكاسب شاملة في التعليم، الصحة، والبنية الاقتصادية.
هكذا فقط يتحقق الشعار الذي يرفعه الشباب: حرية، كرامة، وعدالة اجتماعية، وطن يوازي فيه التفوق الكروي جودة العيش، فيصبح المغرب قادرا على منافسة أوروبا والعالم في جميع المجالات، لا على العشب الأخضر فقط.