شهدت العاصمة الكورية الجنوبية سول، يوم الأربعاء، احتفالا رسميا بمرور 26 سنة على تولي الملك محمد السادس العرش، وهي مناسبة تحولت إلى فرصة لإبراز متانة العلاقة التي تجمع المغرب بكوريا الجنوبية، ليس فقط في بعدها الدبلوماسي، بل أيضا في عمقها الإنساني والتنموي.
أمام نخبة من المسؤولين والدبلوماسيين، رسم السفير المغربي لدى سول، شفيق رشادي، ملامح التحول الاقتصادي المغربي الذي يشد أنظار شركاء آسيا، مؤكدا أن المملكة سجلت ارتفاعا بنسبة 55 في المئة في الاستثمارات الأجنبية المباشرة سنة 2024، وتموقعت كأول مصنع للسيارات في إفريقيا، مع حضور متنام في الصناعة الجوية.
رشادي لم يكتف بالأرقام، بل شدد على التزام الرباط بالتحول الطاقي، كاشفا أن 40 في المئة من الكهرباء المنتجة في المغرب مصدرها الطاقات المتجددة، مع طموح لبلوغ 52 في المئة بحلول 2030، من خلال استثمارات متواصلة في الطاقة الشمسية، والرياح، والهيدروجين الأخضر.
لكن الرسالة الأبلغ في هذا الاحتفال جاءت من بوابة التاريخ المشترك، حين استعاد السفير المغربي لحظة فريدة تعود لحرب كوريا (1950–1953)، حين قاتل جنود مغاربة ضمن الكتيبة الفرنسية تحت راية الأمم المتحدة. وقد خص الجنود المغربيان محمد العصري وجوليان جيان بتكريم مؤثر، بعد أن سقطا في معارك عامي 1951 و1953، ويرقدان اليوم في مقبرة الأمم المتحدة بمدينة بوسان، حيث زرعت سفارة المغرب زهرتين من “الموغنغوا”، الزهرة الوطنية لكوريا الجنوبية، تخليدا لذكراهما.
في كلمته، ذكر السفير الكوري ونائب وزير المناخ، تشونغ كيي يونغ، الذي وشحه الملك محمد السادس بوسام العلوي من درجة قائد، بأن المغرب كان أول بلد إفريقي تحتضن سيول سفارتها به، كما أنه ساند كوريا سياسيا في حربها، وبأن هذه العلاقات “تستند إلى تاريخ إنساني قبل أن تكون شراكة اقتصادية”.
المغرب وكوريا الجنوبية… أخوة دم تتحول إلى شراكة استراتيجية
تشونغ، صاحب كتاب “المغرب وكوريا… إخوة في الدم”، كشف أنه تم مؤخرا تحديد هوية 16 مقاتلا مغربيا آخر شاركوا في تلك الحرب، ليصل عددهم الإجمالي إلى 24، مشيرا إلى أن لقاءه بابنة أحد الشهداء المغاربة كان لحظة إنسانية فارقة: “تضحيات والدها لم تنس، بل تروى وتعلم”.
الحدث شهد أيضا عرض رسالة تاريخية من الرئيس الكوري السابق بارك تشونغ هي إلى الملك الحسن الثاني، عبر فيها عن دعم بلاده لمسيرة المغرب الخضراء سنة 1975، وهو موقف نادر في أرشيف علاقات كوريا مع العالم العربي.
العلاقات المغربية الكورية دخلت اليوم مرحلة جديدة، بحسب تصريحات السفير رشادي، الذي أعلن عن انطلاق مفاوضات في أبريل 2025 بشأن اتفاق شراكة اقتصادية بين البلدين، بالتوازي مع تنسيق مشترك لاحتضان فعاليات كأس العالم 2030.
المسؤول الكوري تطرق أيضا إلى مشاريع ملموسة تمثل عمق التعاون بين البلدين، أبرزها برنامج تنموي بقيمة 100 مليون دولار، ومبادرات بيئية من قبيل مشروع تشجير في ورزازات، إضافة إلى اتفاق في مجال الهيدروجين الأخضر، وعقد سكك حديدية كهربائية بقيمة 1,5 مليار دولار.
وفي ختام كلمته، أشار تشونغ إلى النمو الذي شهده الناتج المحلي الإجمالي المغربي خلال السنوات الأخيرة، مؤكدا أهمية عودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي عام 2017، وانضمامها سنة 2022 لمنطقة التبادل الحر القارية الإفريقية (ZLECAf)، مما يعزز موقعها كبوابة استراتيجية بين إفريقيا وأوروبا والعالم العربي.
“من خنادق الحرب إلى رمال الصحراء… المغرب وكوريا لم يكونا يوما حليفين عابرين، بل إخوة في المعركة والذاكرة والتطلع المشترك”، هكذا لخص تشونغ العلاقة بين الرباط وسيول في حفل طغت عليه الرمزية أكثر من البروتوكول.