تعيش شركة الطيران الأوروبية منخفضة التكلفة “رايان إير” على وقع تحولات استراتيجية كبرى، بعدما أعلنت عن تقليص رحلاتها إلى إسبانيا خلال صيف سنة 2026، بخفض يصل إلى 1,2 مليون مقعد، مع إعادة توجيه جزء من نشاطها نحو أسواق جديدة، من بينها المغرب.
وحسب تقارير متخصصة، فإن هذا القرار يأتي في سياق مواجهة ارتفاع تكاليف التشغيل في المطارات الإسبانية، خصوصًا تلك التي تشرف عليها المجموعة الحكومية “إينا”، حيث اعتبرت الشركة أن الرسوم المفروضة على المطارات الإقليمية جعلت نشاطها غير مربح.
وقد أعلن مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لـ“رايان إير”، عن استيائه من السياسة المعتمدة في إدارة المطارات الإسبانية، مطالبا الحكومة بإعادة النظر في هيكل الرسوم والضرائب لضمان استمرارية النمو في قطاع الطيران والسياحة.
ويتوقع أن يحدث هذا القرار تأثيرا واضحا على حركة النقل الجوي الإسباني، خاصة في المناطق ذات الإقبال الضعيف التي كانت تعتمد بشكل كبير على “رايان إير” كناقل رئيسي. وتشير المعطيات إلى أن التخفيض يمثل نحو 10 بالمائة من الطاقة التشغيلية الصيفية للشركة في إسبانيا، ما يعني تراجعا ملموسا في عدد الرحلات السياحية والداخلية خلال الموسم المقبل.
وفي المقابل، تسعى الشركة إلى تحويل تركيزها نحو مطارات أكثر تنافسية في التكاليف بكل من إيطاليا والمغرب وكرواتيا والمجر والسويد، في خطوة تؤكد بحثها عن أسواق أكثر استقرارا وربحية على المدى المتوسط.
وتعد المملكة المغربية المستفيد الأكبر من هذه التحولات، خصوصا وأنها كانت أول بلد خارج أوروبا يوقع اتفاقا مع “رايان إير” لتشغيل شبكة رحلات داخلية، وهو اتفاق غير مسبوق في تاريخ الشركة التي اشتهرت أساسًا بالرحلات العابرة للحدود داخل أوروبا.
ففي صيف 2024، أعلنت “رايان إير” عن استثمار ضخم بلغ 1,4 مليار دولار أمريكي في المغرب، تضمن تشغيل 11 مسارا داخليا جديدا يربط تسع مدن مغربية من بينها مراكش، فاس، طنجة، وجدة، تطوان، ورزازات، الصويرة، أكادير، والعيون.
ويرى فاعلون في القطاع السياحي أن هذه الخطوة تتجاوز البعد التجاري نحو هدف تنموي أعمق، إذ تسهم في كسر عزلة مدن مغربية لطالما عانت من ضعف الربط الجوي، وتفتح آفاقا جديدة للاستثمار والسياحة الداخلية، مع إعادة توزيع الحركة السياحية التي كانت مركزة أساسًا بين الدار البيضاء ومراكش.
كما تحظى هذه المبادرة بدعم مباشر من وزارتي النقل والسياحة والمكتب الوطني المغربي للسياحة، في انسجام مع الرؤية الوطنية الرامية إلى تعزيز الربط الجوي الداخلي كركيزة أساسية لتنمية العرض السياحي الوطني، بما يجعل من الطيران وسيلة استراتيجية لتقوية التماسك المجالي وتحقيق التنمية المتوازنة بين الجهات.
وبينما تشهد بعض الدول الأوروبية انسحاب شركات الطيران منخفضة التكلفة بسبب الأعباء المالية، يبدو أن المغرب ينجح في تحويل هذا التحول الدولي إلى فرصة استثمارية واعدة، تعزز موقعه كأحد أبرز الوجهات السياحية في حوض المتوسط، وكنموذج لسياسة جوية تجمع بين الانفتاح والتخطيط الاستراتيجي.