في خطوة جديدة تتماشى مع الإصلاحات الجبائية التي يشهدها المغرب، أصدرت وزارة الداخلية مؤخرا دورية موجهة إلى كافة المسؤولين الترابيين تتضمن تطبيقا مفصلا لمقتضيات القانون رقم 14.25، الخاص بجبايات الجماعات الترابية، والذي عدل في قانون 47.06 المتعلق بجبايات الأراضي. تأتي هذه الخطوة، التي ترفع من رسوم الأراضي الحضرية غير المبنية بناء على مستوى تجهيزها، في سياق محاولات رسمية لتعبئة موارد إضافية وتفعيل دور الجماعات المحلية في إدارة أراضيها.
لكن يبقى السؤال المحوري: هل يمكن لرفع هذه الرسوم أن يخفف من أزمة السكن التي باتت تهدد ملايين المغاربة، ويكبح موجة تضخم أسعار العقار التي تراوح مكانها رغم التراجع النسبي في حجم المبيعات؟
هدف القرار: تفعيل مبدأ العدالة الجبائية أم تحفيز تعبئة الأراضي غير المستغلة؟
الوزارة تبرر هذا الإجراء بضرورة استكمال الإصلاحات الجبائية وتحديث وسائل التحصيل، عبر تصنيف الأراضي إلى ثلاث فئات حسب مستوى التجهيزات الأساسية المقدمة في كل منطقة، من طرق وكهرباء وماء ونقل، لتحديد رسوم تراوح بين 0.5 درهم وحتى 30 درهم للمتر المربع. هذا التصنيف المفصل يعكس رغبة في تكريس العدالة في الجبايات، إذ يكلف مالكو الأراضي غير المبنية في المناطق المجهزة بكلفة أعلى، ما يفترض أن يضغط على أصحاب الأراضي لتسريع البناء أو التنازل عن قطعهم.
يشمل القانون تعديلا لأسعار الرسوم المفروضة على الأراضي الحضرية غير المبنية، بحيث تتفاوت الأسعار بحسب مستوى التجهيز المتوفر في المناطق التي تقع بها هذه الأراضي. وقد تم تصنيف الأراضي إلى ثلاث فئات: الأولى تضم المناطق التي تتوفر على جميع أو أغلب المرافق الأساسية، مثل المراكز الصحية والتعليمية، وشبكات الطرق، والكهرباء، والماء، بالإضافة إلى خدمات النقل الحضري، حيث تتراوح أسعار الرسم فيها بين 15 و30 درهما للمتر المربع. أما الفئة الثانية فتشمل المناطق التي تتمتع بتجهيزات متوسطة، لا تقل عن وجود الطرق وشبكات الكهرباء والماء، وتقدر أسعار الرسم فيها بين 5 و15 درهما للمتر المربع. في حين تتضمن الفئة الثالثة المناطق التي تعاني من ضعف التجهيز وتفتقر لمعظم الخدمات الأساسية، حيث يتراوح سعر الرسم بين 0.5 و2 درهم للمتر المربع.
بيد أن الأثر العملي لهذا القرار على الأزمة العقارية يبقى معقدا ومفتوحا للنقاش.
هل ارتفاع الرسوم سيحفز العرض العقاري؟
أزمة السكن في المغرب تعاني من تعقيدات بنيوية، أبرزها الطلب المتزايد على السكن بفعل النمو السكاني والتحضر، إلى جانب ضعف العرض بسبب عوامل عدة، منها البيروقراطية العقارية، غلاء مواد البناء، ومضاربات العقار. رفع رسوم الأراضي غير المبنية قد يكون بمثابة حافز إضافي لأصحاب الأراضي الذين يحتفظون بها دون استغلال، لتحريك السوق وتفريغ أراض للسكن، ولكن ذلك ليس حلا شاملا.
كما أن بعض المراقبين يشيرون إلى أن هذه الخطوة قد تزيد الضغط المالي على مالكي الأراضي، خصوصا صغار المستثمرين والمقاولين الصغار الذين يعانون من صعوبات تمويلية، ما قد ينعكس سلبا على القدرة على تطوير مشاريع سكنية جديدة.
تأثير محتمل على أسعار العقار
مع أن القرار يهدف إلى تعبئة الموارد وتحفيز استثمار الأراضي، فإن تأثيره على أسعار العقار غير واضح. فالأسعار تتأثر بعوامل متعددة، من بينها الطلب القوي، المضاربات، وتكاليف البناء المرتفعة، فضلا عن الركود النسبي في مبيعات بعض الفئات العقارية.
رفع الرسوم قد يرفع تكاليف التحول العقاري، وبالتالي يمكن أن ينتقل جزء من هذه التكاليف إلى المشترين النهائيين، مما قد يؤدي إلى استمرار تضخم الأسعار، أو على الأقل عدم تخفيف الضغط على السوق.
التحديات التقنية والتنظيمية في التطبيق
تشدد وزارة الداخلية على إعداد خرائط تفصيلية ومستحدثة لتصنيف الأراضي،.. مع ضرورة تجهيز الجماعات الترابية بالموارد البشرية والتقنية لتطبيق هذه الإجراءات. كما تعمل على إطلاق منصة إلكترونية لتسهيل الأداء.
لكن تجارب سابقة بينت أن تنفيذ مثل هذه القوانين يتطلب وقتا وجهودا ضخمة،.. وأن الفجوات في البنية التحتية الرقمية ومستوى تأهيل الفرق المحلية قد يعرقلان تطبيق هذه الإصلاحات بشكل فعال وسريع.
قرار وزارة الداخلية برفع رسوم الأراضي غير المبنية وتصنيفها حسب تجهيزاتها،.. هو بلا شك محاولة لتعزيز موارد الجماعات الترابية وتحفيز استغلال الأراضي،.. لكنه ليس عصا سحرية لحل أزمة السكن أو الحد من تضخم أسعار العقار بالمغرب. الحلول الفعالة تتطلب نهجا متكاملا يشمل إصلاحات تشريعية شاملة، دعم للتمويل العقاري،.. تشجيع الاستثمار في الإسكان الاجتماعي، ومعالجة عوامل المضاربة العقارية.
في نهاية المطاف،.. يبقى على الجهات الحكومية والفاعلين الاقتصاديين التنسيق أكثر لتطوير سياسات عقارية متوازنة،.. تراعي التوازن بين تعبئة الأراضي، حماية المستثمرين، وتوفير سكن ملائم لملايين المغاربة.