أسدل الستار على واحدة من أقدم البؤر التجارية الفوضوية في الدار البيضاء، حيث دخل سوق دالاس الشهير بمنطقة حي الحسني في مرحلة حاسمة، بعد إطلاق السلطات المحلية عملية تحرير المجال العمومي، التي استهدفت بشكل خاص منطقة “الخردة” ومحيطها الذي كان إلى وقت قريب يعج بالبسطات والتجهيزات المرتجلة.
القرار لم يكن مفاجئا بالكامل، فقد جاءت هذه الخطوة ضمن تحضيرات المملكة لاستقبال كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، وهو ما تطلب البدء بتطهير المساحات العشوائية التي شوهت وجه المدينة. ومع دخول الآليات الثقيلة إلى قلب السوق، طويت صفحة من “اللا مبالاة” التي امتدت لسنوات.
سوق دالاس لم يكن مجرد فضاء اقتصادي غير منظم، بل كان ذاكرة حية لأجيال من البيضاويين. من الخردة إلى الملابس المستعملة، شكل السوق نقطة جذب لعشاق “الفرصة”، وفضاء حيويا يستقطب زبناء من مدن بعيدة كل نهاية أسبوع.
الفوضى كانت جزءا من المشهد اليومي. احتلال الأرصفة، انتشار الأزبال، واندلاع حرائق متكررة، كلها مظاهر أرقت الساكنة ودفعتهم لتقديم شكاوى متكررة. السلطات هذه المرة اختارت الحسم.
700 فردا مهددون بفقدان مصدر رزقهم
تقديرات غير رسمية تشير إلى وجود ما بين 400 و700 شخص يشتغلون في السوق، خصوصا في قطاع بيع الملابس المستعملة والخردة. بعضهم يحقق أرباحا تصل إلى 2000 درهم في اليوم، خصوصا أيام السبت، التي كانت تشهد ذروة الإقبال.
لكن مع زحف الجرافات، أصبح مصير هؤلاء معلقا، في ظل غياب بدائل واضحة أو مخططات لإعادة الإدماج.
رئيس مقاطعة حي الحسني: “لا بد من حلول اجتماعية”
في تصريح لوسائل إعلامية، أكد رئيس مقاطعة الحي الحسني، طاهر يوسفي، أن العملية “ضرورية لإعادة تنظيم المجال الترابي والارتقاء به بيئيا واقتصاديا”، مشيرا إلى أن الخطوة المقبلة هي تسوية الوضعية العقارية للأراضي، حيث تتداخل فيها الملكيات العمومية والخاصة.
وشدد على ضرورة إيجاد فضاء بديل للخردة، بعيدا عن النسيج الحضري، مع التعاطي الإنساني مع الملفات، لتفادي الإضرار بالأشخاص المعنيين.
حتى الآن، لا توجد رؤية محددة بخصوص المشروع المستقبلي فوق هذا الوعاء العقاري. ما يتداول فقط هو إمكانية إنشاء ممرات لتسهيل حركة الراجلين، ريثما تحسم مسألة ملكية الأرض.
عملية تحرير الملك العمومي لا تخص فقط حي الحسني. بل هي جزء من توجه وطني أوسع لمحاربة العشوائيات واسترجاع النظام في الفضاء العام. ومع اقتراب المواعيد الرياضية الكبرى، يبدو أن الزمن السياسي والدولي يفرض سرعة في التنفيذ قد تتجاوز التفكير في الأبعاد الاجتماعية.