تتسع دائرة الجدل داخل الأوساط الاقتصادية والطاقية في المغرب، عقب بروز شبهات غش وفساد تطال صفقة ضخمة لتوريد الألواح الشمسية، تم توقيعها بين وزارة الانتقال الطاقي وشركة صينية، في إطار الإستراتيجية الوطنية للانتقال نحو الطاقات المتجددة وتقليص انبعاثات الغازات الدفيئة. المعطيات المتداولة حول هذه الصفقة تشير إلى أن الألواح المستوردة لا تستجيب للمواصفات التقنية المنصوص عليها في العقد، ما أثار علامات استفهام حول نزاهة العملية وجودة التجهيزات المستلمة.
وفي هذا السياق، كشف يونس معمر، المدير العام السابق للمكتب الوطني للكهرباء، أن المغرب استورد ما بين يوليوز 2024 ويونيو الماضي ما يقارب ألف ميغاوات من الألواح الشمسية، ليصبح بذلك رابع أكبر مستورد على مستوى القارة الإفريقية. غير أن معمر أوضح أن هذه الألواح تولد طاقة تقل بنسبة 25 في المائة عن القدرات المتفق عليها، وهو ما يعني – حسب تقديره – ضياع ما لا يقل عن 250 ميغاوات بسبب تلاعبات تقنية بين المستوردين والموزعين المغاربة وبعض الصناعيين الصينيين.
وأضاف معمر أن هذا الخلل لا يقتصر على الجانب التقني فحسب، بل يمتد إلى خسائر مالية ضخمة تقدر بـ 400 مليون درهم سنويا، وهي مبالغ تتسرب، وفق تعبيره، إلى “جيوب المتواطئين” على حساب المستهلك المغربي الذي يتحمل في النهاية كلفة هذا الغش المقنع.
من جانبه، دعا حسن أيت علي، رئيس المرصد المغربي لحماية المستهلك، إلى نشر تفاصيل العقود والمواصفات الفنية للألواح المستوردة، بما في ذلك الكميات والخصائص التقنية والأسعار الإجمالية، مع ضرورة إخضاع عينات منها لفحوصات يجريها خبراء مستقلون لضمان الشفافية. كما شدد على ضرورة تدخل أجهزة الرقابة المالية للتحقيق في الفواتير والعلاقات التجارية بين الشركات الوسيطة، تحسبا لأي تلاعب أو تزوير في الأسعار.
وتأتي هذه القضية في سياق حساس يتزامن مع جهود المغرب لتعزيز استقلاله الطاقي والوفاء بالتزاماته الدولية في مجال المناخ، ما يفرض على الجهات المعنية تشديد الرقابة على واردات الألواح الشمسية، والتأكد من مطابقتها للمواصفات المعتمدة، خاصة في ظل تقارير تتحدث عن تواطؤ محتمل بين المصنعين الصينيين وبعض الوسطاء المغاربة.
ويرى متتبعون أن هذه الفضيحة المحتملة تمثل اختبارا حقيقيا لمدى صرامة الرقابة الحكومية في قطاع الطاقات المتجددة، الذي يفترض أن يكون نموذجا للنزاهة والشفافية في الاستثمار الأخضر. وينتظر الرأي العام أن تبادر وزارة الانتقال الطاقي إلى فتح تحقيق عاجل، لكشف كل الملابسات المحيطة بهذه الصفقة، وتحديد المسؤوليات بدقة، حتى لا يتحول مشروع الانتقال الطاقي إلى بوابة جديدة للهدر والفساد المقنع باسم “الطاقة النظيفة”.