في قلب الدار البيضاء، داخل جدران مستشفى عبد الرحيم الهاروشي للأطفال التابع للمركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، لم يعد المشهد مقتصرا على صعوبات الولوج إلى العلاج أو إهمال الحوامل والأطفال، بل تحول إلى ساحة مفتوحة لصراعات داخلية وحروب صامتة بين مكونات الجسم الطبي والإداري.
الشرارة اندلعت مع نشر طبيب مقيم بقسم الجراحة الباطنية شريطا مصورا على صفحته بموقع «فيسبوك»، كشف فيه عن حجم الانفلات والفساد المستشري داخل القسم، قبل أن يرفع صوته طالبا الحماية من الملك نفسه. الطبيب، الذي يتابع تخصصه في العظام والمفاصل والجراحة الباطنية، لم يكتفِ بالتوثيق عبر الفيديو، بل أعد تقريرا مفصلا عن مظاهر التسيب والخروقات، موجها إياه إلى عمادة كلية الطب والصيدلة التي سارعت إلى فتح تحقيق، وأوفدت لجنة ميدانية للوقوف على حقيقة ما يجري.
لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك؛ فبالتوازي مع التحقيقات، بدأ الطبيب يتعرض لضغوطات وصفها بـ”التهديدات الذكية”، محاولات لترهيبه وثنيه عن مواصلة كشف الحقائق. ووسط هذا المناخ المشحون، فجر معطيات صادمة عن اعتداءات لفظية وجسدية طالت أطباء وممرضين، بينهم طبيبة متدربة تعرضت للتعنيف وغادرت القسم، قبل أن يظهر لاحقا أن وثيقة مزورة استعملت لتبرير مغادرتها على أنها “عطلة سنوية”.
من جهة أخرى، أثار الطبيب مسألة غياب كاميرات المراقبة داخل قسم الجراحة الباطنية للأطفال، على خلاف باقي الأقسام، معتبراً أن هذا “الاستثناء” يطرح أكثر من علامة استفهام، ويجعل القسم بيئة خصبة للتجاوزات. كما أشار إلى عزوف أطباء الطب العام عن التخصص في هذا المجال بسبب ما وصفه بـ”النظام التدبيري الخاص”، والذي يترك أربعة أطباء فقط يواجهون ضغطا هائلا من دون تكوين أو تأطير حقيقي.
هكذا، تتراكم الشكايات والشهادات الطبية، وتتصاعد حدة التوتر بين الأطقم، في وقت يواصل المستشفى الذي يحمل اسم أحد رموز طب الأطفال في المغرب التصدر في عناوين الفضائح المتلاحقة، عبر فيديوهات وتدوينات وشهادات تنشر بشكل يومي