عادت بعض المدن المغربية إلى الهدوء الحذر، بعد موجة من الاضطرابات وأعمال الشغب التي تجاوزت حدود الاحتجاج السلمي، لتصل إلى التخريب والحرق والنهب، كما شهدنا مؤخرا في إنزكان ووجدة وغيرها. وبينما تتجه الأنظار نحو تداعيات هذه الفوضى، يبرز سؤال جوهري لا يمكن تجاهله: من يغذي هذا السعار، ويصنع وقود الاحتقان من العدمية والسوداوية؟
تجار البؤس: حملة الحقد الرقمية
لقد كشفت هذه الأحداث عن وجه مظلم لبعض الفضاءات الرقمية والإعلامية التي حولت البؤس الاجتماعي إلى بضاعة مربحة. نتحدث هنا عن “تجار البؤس” الذين يحترفون نشر السلبية وشحن المواطنين، وخاصة المراهقين والشباب، دون أدنى حس بالمسؤولية الوطنية.
هؤلاء ليسوا مجرد ناشطين، بل هم أصحاب صفحات فايسبوكية وإنستغرامية وتيك توكية يتبعون خوارزمية واحدة: المزيد من الحقد = المزيد من التفاعل = المزيد من الأرباح. بالنسبة لهم، كل خبر سيئ وكل تعليق ساخط هو “ترافيك” (Traffic) وربح سريع، حتى لو كان ثمنه حرق وطن.
الأمر لا يتوقف عند الحسابات المجهولة؛ فبعض الوجوه الإعلامية المعروفة وبعض “الصحفيين” يتحولون إلى محترفي شحن، يستغلون شهرتهم في نشر خطاب الكراهية واليأس. هذه الأطراف، التي يحركها غالبا هاجس تحقيق الربح المادي أو تصفية الحسابات السياسية، لا تقدم حلولا أو نقدا بناء، بل تكتفي بالتحريض غير المباشر، جاعلين من الشباب وقودا لغضب غير موجه.
إنهم يزرعون في عقول المراهقين أن الوطن “لا يستحق”، وأن النظام “فاشل بالكامل”، فيصنعون جيلا يحمل معول الهدم بدلا من أدوات الإصلاح.
المسؤولية المشتركة: لا بديل عن الأمن
إن المطالبة بالإصلاحات في قطاعات الصحة والتعليم هي حق مشروع وصوت صادق، لكن لا يمكن تحقيق أي إصلاح على أنقاض الأمن والاستقرار. الأمن هو الرصيد الوحيد الذي يضمن حقنا في التعبير والحياة الكريمة.
علينا أن نعي أن الرد على المشاكل الاجتماعية ليس بـ حرق البنوك أو نهب المتاجر أو تدمير الممتلكات العامة. إن هذا التخريب يخدم فقط أجندات أولئك الذين يستفيدون من الفوضى، ويصطادون في مياه الاحتقان العكرة.
حان الوقت للمواطنين والشباب الواعي أن يعزلوا تجار البؤس، وأن يميزوا بين الناقد الصادق والمحرض المأجور. فإذا خسرنا الأمن، لن يبقى شيء لنحتج من أجله.