الأكثر مشاهدة

غارات بلا طيار.. هل تتحول سماء أوروبا إلى جبهة حرب جديدة؟

في ليلة من ليالي سبتمبر، لم تكن أصوات الطائرات التجارية أو صفير محركات عسكرية وحدها هي التي قطعت هدوء سماء أوروبا — بل عبَرت مجموعة من الأجسام الطائرة المجهولة الحدود، مخلفة وراءها أسئلة أكبر من حجمها: من أطلقها؟ ما الهدف؟ وهل نحن أمام فصلٍ جديد في حروبٍ لا تحسَب بالتقليد؟

في 9–10 سبتمبر دخلت نحو 19–21 طائرة مسيرة إلى الأجواء البولندية في عملية لفتت أنظار الحلفاء والعالم؛ أسقطت منها بعض الوحدات، وأغلقت مطارات محلية، وشرعت عواصم في المناقشات الأمنية الاستثنائية. ما بدا في البداية حادثة محلية سرعان ما اتضح أنه جزء من موجة أوسع ضمت رصد طائرات مسيرة فوق قواعد ومجالات جوية في دول أخرى من شمال وأوروبا.

لم يكن بولندا وحدها المسرح. مطارات كوبنهاغن وأوسلو علقت نشاطها مؤقتا بعد رصد أجسام تحلق بالقرب منها، ثم تبعتها بلدان شمالية أخرى بحالات إبلاغ عن طائرات صغيرة فوق قواعد عسكرية ومناطقٍ حساسة. هذه المشاهد المتكررة دفعت قادة أوروبيين للحديث بصراحة عن ثغرات في دفاعات زمنِ السلم.

- Ad -

الطائرات المسيرة التي رصدت ليست بالضرورة أقمارا صناعية أو صواريخ بعيدة المدى. يصف خبراء صناعة الطائرات المسيرة هذه الأنواع غالبا بأنها «هجينة» — أجنحة دوارة قد تعمل لساعات محدودة، وأخرى ثابتة الجناح مَحدودة المدى أيضا — ما يفتح احتمالين: إطلاقها من مواقع قريبة، أو استخدام تكتيكات متدرجة تهدف للارتباك والاختبار لا للقتل المباشر. لكن الخطر الحقيقي لا يكمن في وزن المتفجرات داخل الطائرة؛ بل في أثرها على الروح العامة: تعطيل المواصلات، إرباك الأسواق، وزرع الخوف.

التأويلات متشعبة. يقول نواب وخبراء إن هذه الحوادث قد تكون «اختبارات» لردود الفعل، أو استفزازات لإثارة انقسامٍ داخلي، أو فشلا تحكميا أتاح للطائرات الانحراف إلى أراض مجاورة. وفي هذا السياق، شن اللافت أن بعض الأصوات الأوروبية ربطت التواترَ والأنماطَ بمحاولات ممنهجة من قِبل جهات تسعى لقياس حدود الرد والنفوذ.

رد الفعل الأوروبي تَحوّل إلى مشروعٍ عملي: مناقشة ما سمي مبدئيا «جدار الطائرات المسيرة» — شبكة متكاملة من الرصد والرد على الجناح الشرقي للاتحاد تعد بمثابة درع إلكترونيٍ يمتد على طول الحدود ويستوعب تبادل المعلومات والقدرات الدفاعية المشتركة. الاقتراح انتقل من فكرة إلى مناقشة قادة، وسط اعتراف واضح بأن كل دولة وحدها لا تستطيع مواجهة سيل الطائرات الرخيصة بتقنيات مكلفة تقليدية. لكن مبادرة كهذه تواجه تحديات عملية وسياسية: التمويل، تحديد القيادة، وضمان عدم تحويل الجدار إلى سلسلة من الثغرات المتشابكة.

الرهان هنا ليس تقنيا وحده؛ بل مجتمعي. كل تعليقٍ على طائرة، كل غلقٍ لمطار، كل شائعة عن «نوايا عدائية» تقاس ليس فقط بنجاح الدفاع وإنما بمدى قدرة الحكومات على الحفاظ على ثقة المواطنين وهدوءِهم. فكما تذكر سلسلة من المحللين، الهدف من الحرب الهجينة قد يكون تفكيك اللحمة الاجتماعية أكثر منه إحداث خسائر عسكرية مباشرة.

ومع كل هذا، يبقى سؤالان ملحان: هل نعرف من يقف وراء هذه الطائرات؟ وهل أوروبا جاهزة فعلا؟ الإجابة عن الأول تظل ناقصة — أدوات الاستقصاء العسكري والاستخباراتي تعمل، لكن التعتيم المتعمد والخبرات المختلِطة تحجب اليقين. أما عن الثاني، فالتقارير والنقاشات تكشف أن قدرات دولٍ أوروبية متفاوتة للغاية؛ من دولٍ نشطة تمتلك أنظمة مضادة متقدمة، إلى دول تعتمد على مراقبة محدودة. النتيجة: دعوة متزايدة للاندماج الأمني وتقاسم التقنيات والموارد.

مقالات ذات صلة