في زمن يتحدث فيه العالم عن الذكاء الاصطناعي بوصفه محرك الاقتصاد القادم، وعن الرقمنة باعتبارها ضرورة لا ترفا، يعيش المغاربة مفارقة حادة في علاقتهم بالبنية التحتية الرقمية، وعلى رأسها الإنترنت فائق السرعة. فبينما ينظر إلى الألياف البصرية (الفايبر أوبتيك) كأحد أعمدة التطور الرقمي، تظل تكلفته في المغرب مرتفعة بشكل مثير للقلق، بل وتطرح علامات استفهام حقيقية حول إرادة الجهات الفاعلة في تمكين المواطنين من ولوج متكافئ إلى العصر الرقمي.
فشركات الاتصالات الثلاث الكبرى—اتصالات المغرب، أورنج، وإنوي—تتنافس في ما يشبه التواطؤ غير المعلن على فرض أسعار تعتبر من الأعلى في المنطقة. فالحد الأدنى من سرعة الألياف البصرية، وهو 20 ميغابايت، يعرض بسعر 249 درهما، بينما تصل 100 ميغا إلى 349 درهما، و200 ميغا إلى 500 درهم. أما من يسعى إلى الحصول على 1 جيغابايت في الشهر، فعليه أن يدفع ما لا يقل عن 1000 درهم، أي أكثر من ربع الحد الأدنى للأجور في البلاد!

في المقابل، لا يحتاج المواطن الإسباني سوى إلى دفع 10 يوروهات فقط، أي حوالي 100 درهم مغربي،.. مقابل 300 ميغا من الإنترنت عبر الفايبر، بينما يحصل على 600 ميغا بـ15 يورو،.. و1 جيغا بـ20 يورو، بل وحتى 10 جيغا بـ25 يورو فقط. والمفارقة لا تقف عند هذا الحد،.. بل تزداد إيلاما حين نعلم أن متوسط الأجور في إسبانيا يفوق نظيره في المغرب بمرتين إلى ثلاث مرات،.. ومع ذلك يدفع الإسباني أقل بكثير من المغربي للوصول إلى سرعة إنترنت مضاعفة.

هل الأسعار الفلكية للأنترنت تقصي المغاربة من العصر الرقمي؟
أمام هذه المعطيات،.. يبدو أن المواطن المغربي يفرض عليه أداء فواتير مرتفعة مقابل خدمة أساسية لا تعتبر اليوم ترفا،.. بل ضرورة لا غنى عنها للدراسة، للعمل، للابتكار، بل حتى للتوظيف. كيف يمكن لشاب مغربي أن ينافس في سوق العمل الرقمي أو يتابع تكوينا في الذكاء الاصطناعي عبر منصات تعليمية عالمية،.. في ظل أسعار تجعل الإنترنت عالي السرعة امتيازا طبقيا؟
إن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الغلاء،.. بل في ما يكشفه من غياب رؤية وطنية واضحة لتعميم الرقمنة بشكل عادل،.. وفتح المجال أمام شركات جديدة لكسر الاحتكار وتحرير السوق. ما نحتاجه ليس فقط سرعة إنترنت،.. بل عدالة رقمية تضمن أن لا يبقى المواطن المغربي متفرجا من خلف شاشة بطيئة على ثورة لن تنتظره.