لم يكن العنوان الذي اختارته جريدة “الخبر” الجزائرية، المقربة من نظام الحكم، في عددها الصادر اليوم الخميس، مجرد صدفة إخبارية عابرة. تحت عنوان عريض ومباشر: “الجزائر قد لن تصوت على مشروع القرار الأممي”، بدت النبرة تمهيدا مدروسا من الإعلام الرسمي لتهيئة الرأي العام الجزائري على تقبل حقيقة أن الملف الذي استنزف مليارات الدولارات من أموال الشعب على مدار نصف قرن قد حسم أمميا لصالح المغرب.
اعتراف مبطن بسقوط ورقة الضغط
العنوان، الذي ظهر غامضا في ظاهره، يحمل في عمقه إقرارا بالهزيمة الدبلوماسية. فبالعودة إلى انسحاب الجزائر من التصويت على القرار الأممي رقم 2756 العام الماضي، تؤكد “الخبر” اليوم أن الموقف المقبل للجزائر داخل مجلس الأمن بات بلا أي تأثير فعلي. فالجزائر تفتقر إلى حق النقض (الفيتو)، ولا تملك أوراق ضغط حقيقية في مواجهة موازين القوى التي تميل بوضوح نحو واشنطن وحلفائها، الذين رسخوا مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل واقعي ونهائي للنزاع الإقليمي.
بهذا التصريح الصريح، تكون يومية “الخبر” قد كسرت حاجز الإنكار الذي لازم نظام العسكر الجزائري لعقود، في اعتراف ضمني بانتهاء المسار الأممي الذي أصبح محسوماً لصالح المقاربة المغربية.
لحظة الحساب: ثمن المعارك العبثية
يعكس هذا الارتباك الإعلامي حجم الخوف داخل دوائر الحكم الجزائرية من رد فعل الشارع، حين يكتشف المواطن أن “القضية الوطنية الأولى” – التي كانت تروج كذريعة مركزية لسياسات النظام – لم تكن سوى ورقة سياسية لتبرير الفشل الداخلي.
لقد أنفقت الجزائر، طيلة نصف قرن، خيراتها من الغاز والنفط في تمويل معارك عبثية؛ من دعم جبهة البوليساريو، إلى شراء الولاءات، ومحاولات يائسة لعزل المغرب وعرقلة مساره التنموي. وفي المقابل، عانى الشعب الجزائري من الفقر والبطالة والتهميش والطوابير الطويلة، في بلد يزخر بالثروات التي لم تصل يوما إلى جيوبه.
في المقابل، مضى المغرب بخطى ثابتة، بنى اقتصاده، وطور بنياته التحتية، وعزز حضوره الدبلوماسي، ليحصد اليوم ثمار عقود من الواقعية السياسية والعمل الدؤوب.
مجلس الأمن ينتقل لمرحلة التثبيت
يتوقع أن يكون الاجتماع المقبل لمجلس الأمن تاريخياً بامتياز، كونه سيعلن رسميا عن مرحلة جديدة: مرحلة تثبيت الحكم الذاتي كحل أممي نهائي للنزاع. وفي هذا المشهد، لن يكون أمام الجزائر، التي تحضر بصفة عضو غير دائم، سوى تسجيل احتجاج رمزي، بلا وزن أو أثر يذكر على القرار النهائي.
يمكن القول إن عنوان جريدة “الخبر” ليس مجرد تحليل، بل هو مرآة لانكشاف السلطة الجزائرية، ورسالة استباقية لتهيئة الرأي العام لتقبّل النهاية المحتومة لقضية استنزفت البلاد والعباد. إنها لحظة الإعلان الصامت عن سقوط الوهم، وبداية مرحلة الحساب التي طال انتظارها.


