الرسالة غير المعلنة التي بعث بها خيرت فيلدرز، زعيم اليمين المتطرف في هولندا، وهو يسحب بساط الشرعية من تحت قدمي رئيس الوزراء ديك شوف، منهيا تجربة سياسية لم تكمل عامها الأول، ومفجرا أزمة جديدة في مشهد هولندي مأزوم أصلا بالاستقطاب والريبة.
الثلاثاء 3 يونيو لم يكن يوما عاديا في لاهاي. فخلال ساعات معدودة، انتقلت الحكومة من حالة التفاوض إلى حالة السقوط الحر. والسبب؟ ملف الهجرة، الذي لطالما استخدم كورقة انتخابية، تحول هذه المرة إلى قنبلة سياسية فجرها فيلدرز بنفسه، بعدما وجد أن الطريق إلى فرض أجندته لم يعد ممهدا بما يكفي.
“لا توقيع، لا تسوية، لا شراكة”، بهذه العبارات وضع الرجل شرطا تعجيزيا أمام شركائه، رافضًا أي تعديل على خطته الصادمة للهجرة، التي دعا فيها إلى إغلاق الحدود، ورفض طالبي اللجوء، وتعليق لم الشمل، بل وحتى ترحيل سوريين حصلوا على إقامة مؤقتة. خطة لم تترك مساحة وسط بين الصدمة والرفض.
وفي لحظة انفعال سياسي محسوبة، أعلن فيلدرز انسحاب حزب الحرية من الائتلاف الرباعي، ضاربا عرض الحائط بتوازنات الحكم، وحارما الحكومة من أغلبيتها البرلمانية، تاركا ديك شوف في مهب الريح.
تحالف الأحزاب الأربعة – حزب الحرية (PVV)، حزب الشعب من أجل الحرية والديمقراطية (VVD)، حزب العقد الاجتماعي الجديد (NSC)، وحركة BBB – لم يكن منذ البداية زواجا كاثوليكيا. بل كان أقرب إلى تحالف الضرورة، ولد من رحم مفاوضات مضنية بعد انتخابات غير حاسمة.
غير أن الخط الفاصل بين المعقول الشعبوي والمتعذر الفاشي بدا واضحا، خاصة عندما قدم فيلدرز خطته المتشددة، التي لم تكن فقط غير قابلة للتنفيذ في إطار دولة قانون أوروبية، بل شكلت استفزازا صريحا لباقي الشركاء، الذين وجدوا أنفسهم بين مطرقة خطاب فيلدرز المتطرف وسندان الرأي العام المنقسم.