أنهى البرلمان المغربي الجدل حول مشروع القانون رقم 43.22 الخاص بالعقوبات البديلة، بعد مناقشته والمصادقة عليه في مجلسي النواب والمستشارين، في انتظار صدوره في الجريدة الرسمية للمملكة. من المتوقع أن يدخل القانون حيز التنفيذ خلال عام، بعد إصدار النصوص التنظيمية الضرورية لتطبيقه.
في إطار تقديم القانون، أشار وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، إلى أن هذا التشريع يندرج ضمن الورشات التشريعية الكبرى في المغرب، ويشكل محركا أساسيا لمنظومة العدالة الجنائية. إذ يهدف إلى حماية الحقوق والحريات، ومكافحة الجريمة، وتحقيق الأمن للأفراد والمجتمع، مع مواكبة التطورات الحديثة في الأنظمة الجنائية العالمية.
دافع وزير العدل بحماس عن مشروع القانون الذي من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ العام القادم، واصفا إياه بالثورة التشريعية التي تسهم في حماية حقوق الأفراد وحرياتهم. وأكد أن نظام العقوبات البديلة أصبح ضرورة ملحة، مدعوما بمطالب قوية من قبل العديد من الفاعلين الحقوقيين والقانونيين. هذه المطالب تمت مناقشتها في مناسبات متعددة، من بينها هيئة الإنصاف والمصالحة ومناظرة مكناس حول السياسة الجنائية لعام 2004، والحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
ما هي العقوبات البديلة؟
تعرف المادة الأولى من القانون 43.22 العقوبات البديلة بأنها عقوبات تفرض بديلا عن العقوبات السالبة للحرية في حالات الجنح التي لا تتجاوز عقوبتها خمس سنوات من الحبس النافذ. وأوضحت أن العقوبات البديلة لا تطبق على المتهمين بحالة العود، وتتيح للمحكوم عليه فرصة تجنب السجن من خلال الوفاء بالالتزامات المفروضة عليه بموجب العقوبة البديلة.
حدد القانون عدة أنواع من العقوبات البديلة، بما في ذلك العمل لأجل المنفعة العامة، المراقبة الإلكترونية، تقييد بعض الحقوق، وفرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، بالإضافة إلى الغرامة اليومية. وأكد القانون على ضرورة احترام الشروط القانونية وتطبيق القواعد الأصلية للجريمة بما فيها تفريد العقاب.
استثنى القانون بعض المدانين من الاستفادة من العقوبات البديلة في حالة ارتكابهم لجرائم خطيرة مثل جرائم أمن الدولة، الإرهاب، الفساد، غسل الأموال، الجرائم العسكرية، والاتجار في المخدرات والأعضاء البشرية، والاستغلال الجنسي للقاصرين أو الأشخاص ذوي الإعاقة. وأوضح القانون أن المحكمة يمكنها استبدال العقوبة الحبسية بالعقوبة البديلة بناء على طلبات متعددة من المحكوم عليه أو الجهات المختصة.
العمل لأجل المنفعة العامة
تعتبر عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة إحدى العقوبات البديلة التي نص عليها القانون،.. وتفرض على المحكوم عليهم البالغين من العمر 25 سنة على الأقل،.. ليقوموا بأعمال غير مؤدى عنها لمدة تتراوح بين 40 و 3600 ساعة لصالح المؤسسات العامة والخيرية والجمعيات غير الحكومية. يتعين على المحكمة تحديد عدد ساعات العمل بما يتناسب مع مدة العقوبة الحبسية المحكوم بها، مع مراعاة ظروف المحكوم عليه.
يمكن للمحكمة أن تقرر فرض المراقبة الإلكترونية كبديل للعقوبة الحبسية، مما يسمح بمراقبة حركة المحكوم عليه إلكترونيا. تتم المراقبة عبر جهاز قيد إلكتروني يوضع على معصم المحكوم عليه أو ساقه،.. ويتيح تتبع حركته داخل حدود معينة. يعاقب القانون كل من يخل عمدا بالتزامات المراقبة بالحبس والغرامة.
يمنح القانون للمحكمة إمكانية فرض عقوبات تقيد بعض حقوق المحكوم عليه أو تفرض عليه تدابير رقابية أو علاجية،.. بهدف تقييم سلوكه وإعادة تأهيله. تشمل هذه التدابير منع المحكوم عليه من ممارسة نشاط معين أو ارتياد أماكن معينة،.. أو إلزامه بالعلاج النفسي أو ضد الإدمان.
أقر القانون بإمكانية استبدال العقوبة الحبسية بالغرامة اليومية،.. والتي تحدد قيمتها بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من مدة العقوبة. يتعين على المحكوم عليه دفع الغرامة في غضون ستة أشهر من تاريخ صدور الحكم، مع إمكانية تمديد هذه الفترة مرة واحدة.
بهذا القانون الجديد، يخطو المغرب خطوة كبيرة نحو تحديث نظام العدالة الجنائية،.. بما يتماشى مع المتطلبات العصرية ويعزز من مكانة المملكة في مجال حماية الحقوق والحريات. ينتظر أن يسهم هذا التشريع في تحسين ظروف إعادة الإدماج وتقليل حالات العود،.. ليكون بمثابة نقلة نوعية في مسار العدالة بالمملكة.