ككل مرة يتحرك فيها ملف الصحراء المغربية نحو الحسم، تصاب بعض الصحف الجزائرية بنوبة “قانون دولي حاد”، فتتحول إلى منابر لقراءة القرارات الأممية على طريقتها الخاصة، كما فعلت جريدة الخبر التي خصصت صفحاتها لتبكي على “الشرعية الدولية” المهدورة، وكأنها لم تكن شاهدة على مأساة تندوف منذ نصف قرن.
جريدة الخبر التي تصف الصحراء بـ”الغربية المحتلة”، يبدو أنها نسيت أن التاريخ لا يكتب بالحبر، بل بالشرعية الواقعية، وبالاعترافات الدولية التي تتسع يوما بعد يوم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، بينما تزداد عزلة النظام الجزائري في دهاليز الخطابات القديمة.
تحدث المقال الجزائري عن “صفقة أبراهام” كما لو أنها مؤامرة كونية ضد الجزائر، متناسيا أن المغرب لا يحتاج إلى “صفقات” ليدافع عن وحدة ترابه، لأن مواقفه ثابتة منذ 1975، مدعومة باعترافات من واشنطن، مدريد، باريس، ولندن، بل وحتى من دول إفريقية كانت يوما ما أقرب إلى سردية البوليساريو.
أما حديث الخبر عن “الاحتلال المغربي” فيبدو وكأنه مقتبس من أرشيف السبعينيات، حين كانت الأشرطة تدار على أجهزة الكاسيت، وحين كان النظام الجزائري يعتقد أن تصدير الأزمات سيخفي فشله في التنمية والديمقراطية.
ولعل المضحك في المقال أن كاتبه يندد بفتح قنصليات في العيون والداخلة، وكأن القنصليات تفتح في “الأراضي المحتلة” وليس في بلدان مستقرة، بينما يتهرب من سؤال بسيط: أين تقع عاصمة “الجمهورية الصحراوية” التي تعترف بها الجزائر؟ في السماء أم في خيام تندوف؟
ما لم تستوعبه بعض الأقلام في الجارة الشرقية هو أن العالم تغير: منطق الخريطة القديمة انتهى، والشرعية اليوم تبنى على التنمية والاستقرار، لا على بيانات بوليساريو تتكرر كل عقد. المغرب اليوم يبني موانئ وطرقا ومدنا في الصحراء، بينما لا تملك “الجمهورية” سوى خيام وبيانات.
من المؤسف أن تتحول الصحف في جار السوء إلى أداة تبرير في يد النظام العسكري، تردد خطابا متكلسا عن “تصفية الاستعمار”، وكأن الجزائر نفسها لم تغلق ملف تقرير المصير في منطقة القبائل أو في مزاب أو حتى داخل تندوف ذاتها، التي لا يعرف أحد من يسيرها فعليا.
المغرب ماض في طريقه بثقة، مدعوما بشركائه وبمشروع تنموي في أقاليمه الجنوبية جعلها نموذجا للاستثمار الإفريقي. أما في الجزائر، فيبدو أن أقصى حلم هو كتابة مقال غاضب في جريدة “الخبر” لإقناع القارئ بأن “الواقع” مؤامرة.
فليطمئن أشقاءنا في الشرق: الصحراء مغربية، برضا التاريخ، وبإجماع الحاضر، وبمباركة المستقبل. والبكاء في نيويورك لن يغير ما أقرته الجغرافيا منذ قرون.


