إن التباينات الهيكلية في اقتصادات دول شمال إفريقيا تنعكس بوضوح في مؤشرات مديونيتها، وهو ما تؤكده بيانات صندوق النقد الدولي (IMF) لعام 2025. تظهر الأرقام أن كلتا الدولتين، المغرب والجزائر، تتبعان مسارين متعاكسين في إدارة الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يضع سيناريوهات متباينة لاستدامة ماليتهما العامة على المدى المتوسط.
يظهر المغرب مسارا تنازليا راسخا في نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، في خطوة لتعزيز التوازنات الكلية بعد الضغوط التي فرضتها السنوات الأخيرة. فبعدما بلغت نسبة الدين ذروتها حوالي 72.2% في عام 2020، تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن المملكة نجحت في خفض هذه النسبة لتبلغ حوالي 68.9% في عام 2025، مع ترجيحات قوية باستمرار هذا الانخفاض بوتيرة مستدامة حتى عام 2030. ويعود الفضل في هذا المسار الإيجابي إلى الجهود الحكومية لضبط الموازنة، وتنويع مصادر النمو، إضافة إلى طبيعة الدين المغربي الذي تتشكل غالبيته من ديون داخلية، حيث لا تتجاوز نسبة الدين الخارجي 46.5% من الإجمالي، مما يحد من المخاطر المرتبطة بأسعار الصرف وتقلبات الأسواق الدولية.

على الجانب الآخر، تبرز معطيات صندوق النقد الدولي مسارا مختلفا للديون في الجزائر. فعلى الرغم من أن نسبة الدين العام في الجزائر لا تزال منخفضة مقارنة بالمغرب، حيث تبلغ حوالي 57.8% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2025، إلا أن الأرقام تشير إلى اتجاه تصاعدي. وقد يعكس هذا الاتجاه ضغوطا جديدة على المالية العمومية ناجمة عن زيادة الإنفاق المحلي وضرورة اللجوء إلى التمويل الداخلي، خاصة في ظل تقلبات أسواق الطاقة التي تعد المصدر الرئيسي لإيرادات الدولة. ويشكل الاتجاه التصاعدي لنسبة الدين، حتى لو كان طفيفا، تحديا هيكليا على المدى الطويل، خاصة عندما يقارن بالمسار التنازلي الواضح والمستدام الذي يتبعه المغرب.
وفي المحصلة، يؤكد التباين بين نسبة دين مغربية تتراجع من عتبة 72.2% نحو 68.9%، ونسبة دين جزائرية منخفضة ولكنها في اتجاه صعودي نحو 57.8%، على أن الاستقرار المالي في كل بلد محكوم بأولويات اقتصادية متباينة. فبينما يركز المغرب على تثبيت مسار خفض المديونية لتعزيز القدرة التنافسية، تواجه الجزائر تحدي السيطرة على إنفاقها لضمان بقاء ديونها تحت السيطرة وتجنب الدخول في مسار تصاعدي قد يقلص من الفارق المالي الكبير الذي تتمتع به حاليا.