في قلب الدار البيضاء، حيث يفترض أن تشكل المستشفيات صمام أمان لصحة الأطفال وحديثي الولادة، يتحول البحث عن حاضنة زجاجية إلى رحلة عذاب تنتهي أحيانا بمأساة. آخر فصول هذا الواقع الحزين تجلى في وفاة رضيعة حديثة الولادة بمستشفى عبد الرحيم الهاروشي للأطفال، بعدما عجزت أسرتها عن إيجاد حاضنة اصطناعية تنقذ حياتها.
هذه الحادثة لم تمر بصمت، إذ دفعت فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس النواب إلى دق ناقوس الخطر، عبر توجيه سؤالين كتابيين إلى وزير الصحة، أمين التهراوي، طالب فيهما بفتح تحقيق عاجل وإيفاد لجنة تفتيش للوقوف على ما وصفه الفريق بـ«الوضع الكارثي» للمستشفى. البرلمان اعتبر أن المؤسسة صارت مرادفا للإهمال وسوء المعاملة ونقص التجهيزات، وهي اتهامات تعكس حالة من الغليان داخل الرأي العام.
وفيات صادمة… وأرقام تنذر بالخطر
الأزمة ليست حادثا معزولا، بل جزء من معضلة وطنية أعمق. وفق الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، فإن معدل وفيات حديثي الولادة في المغرب يصل إلى 13.56 وفاة لكل ألف ولادة حية، وهو رقم يضع المنظومة الصحية أمام تساؤلات محرجة حول جاهزيتها لحماية أرواح الأضعف.
في مستشفى ابن رشد الجامعي بالدار البيضاء، الصورة أكثر قتامة: 13 حاضنة فقط لمواجهة ما بين 30 و40 حالة ولادة يوميا، بينها عشر حالات حرجة تحتاج سرير إنعاش. والنتيجة، وفق تصريحات علي لطفي، رئيس الشبكة، أن عشرات الطلبات ترفض يوميًا، لتجد الأسر نفسها أمام خيارين أحلاهما مر: إما العودة خالية الوفاض أو اللجوء إلى المصحات الخاصة، حيث الرعاية متوفرة لكن التكلفة خيالية.
تؤكد شهادات مهنية أن أزمة الحاضنات لا تنفصل عن معضلات بنيوية:
- ضعف ميزانية قطاع الصحة التي تحد من شراء أو صيانة التجهيزات.
- كلفة مرتفعة للحاضنة الواحدة، تتراوح بين 50 ألفًا و150 ألف درهم، يضاف إليها 10 إلى 20 في المئة كرسوم تركيب وصيانة.
- بطء المساطر الإدارية وتعقيدات التموين التي تعطل تزويد المستشفيات بالمعدات.
- غياب الصيانة الدورية، ما يؤدي إلى تعطّل الأجهزة القليلة الموجودة أصلًا.
- عدم عدالة التوزيع بين الجهات، إذ تستأثر المستشفيات الكبرى والمصحات الخاصة بالنصيب الأكبر.
من هذا المنطلق، يدعو علي لطفي إلى اعتماد خطة وطنية عاجلة، تتضمن:
- مضاعفة عدد الحاضنات وأسرّة الإنعاش.
- تأهيل الكوادر الطبية المتخصصة.
- رفع ميزانية الصحة إلى 10% من الميزانية العامة سنة 2026.
- ضمان توزيع عادل للتجهيزات بين المدن الكبرى والمناطق المهمشة.
ويحذر لطفي من أن «الاستمرار في تجاهل الأزمة سيؤدي إلى مزيد من الخسائر في الأرواح»، مشددا على أن الاستثمار في صحة المواليد «ليس ترفا ولا خيارا، بل ركيزة لمستقبل المغرب وحق يكفله الدستور والمواثيق الدولية».