لم يعد الحديث عن تغير المناخ ترفا علميا أو صراخا بيئيا في الهواء، بل تحول إلى واقع يومي مرصود بالأرقام والبيانات الصادمة. فقد كشف تقرير مرصد “كوبرنيكوس” الأوروبي، في نشرته الشهرية الصادرة يوم الثلاثاء، أن شهر مارس 2025 كان ثاني أكثر الشهور سخونة على الإطلاق في التاريخ المسجل، بعد مارس 2024.
وبحسب البيانات، فقد بلغ متوسط حرارة الأرض خلال مارس الأخير 14,06 درجة مئوية، أي أقل بـ0,08 درجة فقط من الرقم القياسي المسجل العام الماضي. لكن اللافت، بحسب العلماء، أن هذا الارتفاع الحراري حصل دون وجود ظاهرة “إل نينيو” القوية التي كانت وراء طفرات سابقة في درجات الحرارة، بل إن 2025 يعرف بداية تأثير “لا نينيا”، وهي ظاهرة مناخية يفترض أن تبرد الأرض.
وتعليقا على هذه المفارقة، قالت العالمة فريديريك أوتو من “إمبريال كوليدج” بلندن:
“أن نسجل مرة أخرى حرارة أعلى بـ1,6 درجة مئوية مقارنة بمعدل ما قبل الثورة الصناعية، فهذا أمر مذهل ومقلق في الآن ذاته”.
احترار غير مسبوق رغم “لا نينيا”
ومنذ يوليو 2023، دخلت الأرض في سلسلة متواصلة من تسجيل درجات حرارة قياسية أو شبه قياسية كل شهر، باستثناء حالة واحدة فقط، وفقا لتقارير كوبرنيكوس. ما يعني أننا نعيش وسط تسارع غير مسبوق لآثار الاحترار العالمي.
أما الخبير روبير فوتر، المشارك في رئاسة مجموعة العمل حول المناخ بهيئة الأمم المتحدة (الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ – GIEC)، فقد عبر بدوره عن صدمته من استمرار درجات الحرارة المرتفعة، قائلا:
“الوضع استثنائي، إذ عادة ما تبدأ درجات الحرارة في الانخفاض بوضوح بعد مرحلتين متتاليتين من ظاهرة إل نينيو، لكن هذا لم يحصل”.
ويؤكد العلماء بالإجماع أن هذا الانفلات المناخي ليس طبيعيا، بل نتيجة مباشرة لاستمرار حرق الوقود الأحفوري من فحم ونفط وغاز، ما أدى إلى محاصرة كوكب الأرض داخل حلقة مفرغة من الانبعاثات والاحترار المستمر.
ومع هذا التسارع، تتزايد الدعوات الملحة للتحرك الفوري، ليس فقط عبر السياسات البيئية، بل من خلال تحول عالمي حقيقي في نمط الإنتاج والاستهلاك، وإلا فإن السنوات القادمة قد تحمل أرقاما تفوق ما يسجل اليوم.