اعتمد مجلس الأمن الدولي، قبل قليل، قرارا تاريخيا يشكل تحولا نوعيا في مسار تسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، إذ أعرب عن دعمه الكامل للأمين العام الأممي ولمبعوثه الشخصي في تيسير وإجراء المفاوضات، استنادًا إلى مقترح الحكم الذاتي المغربي، بهدف التوصل إلى حل عادل ودائم ومقبول من الأطراف، ومتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة؛ مرحبا في الوقت ذاته بأي مقترحات بناءة تقدمها الأطراف استجابة لهذا المقترح المغربي.
وصوّتت لصالح مشروع القرار 11 دولة من أصل أصل 15 دولة، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية (صاحبة القلم) وكوريا، فيما امتنعت 3 دول فقط عن التصويت.
وأعربت هذه الهيئة الأممية التي عهد إليها حفظ السلام والأمن الدوليين، عن دعمها لجهود المبعوث الأممي في تنفيذ قراراتها والمضيّ قدماً في العملية السياسية، بما في ذلك من خلال استمرار المشاورات بين المبعوث الشخصي وكلٍّ من المغرب وجبهة البوليساريو والجزائر وموريتانيا، مؤكدة على أهمية احترام وقف إطلاق النار وتجنب أي عمل يهدد العملية السياسية.
في سياق متصل، دعا القرار جميع الأطراف إلى الانخراط في هذه المناقشات دون شروط مسبقة، على أساس مبادرة الحكم الذاتي المغربية، بهدف التوصل إلى حل سياسي نهائي ومقبول للطرفين، مشدداً على أن مخطط الحكم الذاتي الحقيقي يمكن أن يكون الحل الأكثر قابلية للتطبيق، ومشجعاً الأطراف على تقديم أفكار لدعم حل نهائي مقبول للطرفين.
كما دعا الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم والمساعدة الملائمة لهذه المفاوضات ولجهود المبعوث الشخصي، مجدداً تمديد ولاية بعثة المينورسو في الصحراء حتى 31 أكتوبر من عام 2026، تماشياً مع التوصية الواردة في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المرفوع إلى أعضاء مجلس الأمن.
ويؤكد مجلس الأمن على ضرورة الإسراع في تحقيق هذا الحل للنزاع، معبرا في الوقت ذاته عن ترحيبه بمبادرة المبعوث الشخصي لعقد لقاءات بين الأطراف من أجل البناء على الزخم الحالي واغتنام هذه الفرصة غير المسبوقة لتحقيق سلام دائم.
وأعرب المجلس عن تقديره للولايات المتحدة الأمريكية لاستعدادها استضافة المفاوضات دعماً لمهمة المبعوث الشخصي الهادفة إلى التوصل إلى حل لقضية الصحراء، مسجلاً بقلق بالغ النقص في التمويل المخصص للاجئين الصحراويين، داعياً المانحين إلى تقديم تمويلات إضافية، وإلى تسجيل وإحصاء اللاجئين في مخيمات تندوف.
كما طلب القرار من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم إحاطات منتظمة إلى مجلس الأمن الدولي، وفي أي وقت يراه مناسباً خلال فترة ولاية البعثة الأممية إلى الصحراء، ثم تقديم مراجعة خلال ستة أشهر من تجديد هذه الولاية بشأن الاستراتيجية المستقبلية للبعثة، أخذاً في الاعتبار نتائج المفاوضات بين الأطراف.
ويأتي تبنّي مجلس الأمن لهذا القرار في سياق دولي متغير يتّسم باتساع دائرة الاعترافات بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وبروز قناعة متزايدة لدى القوى الكبرى بضرورة تبنّي مقاربة واقعية تقوم على الحكم الذاتي كحلّ وحيد وعملي للنزاع.
كما يتزامن هذا التحول مع وجود توجّه استراتيجي داخل الإدارة الأمريكية، برئاسة دونالد ترامب، نحو الدفع باتجاه إبرام اتفاق سلام يُنهي حالة القطيعة بين المغرب والجزائر، ويعزز الأمن والاستقرار في شمال إفريقيا التي تحتل مكانة متقدمة وأهمية جيوسياسية كبرى في الاستراتيجية الأمريكية.
ويكتسي القرار الأممي الجديد بُعداً نوعياً غير مسبوق، يتجاوز مجرد إدارة نزاع إقليمي إلى تثبيت رؤية جديدة لحلّ سياسي واقعي ينسجم مع التوجهات الكبرى للنظام الدولي، إذ لم تعد قضية الصحراء ملفاً إفريقياً أو إقليمياً محصوراً، بل أضحت جزءاً من معادلة التوازنات العالمية الجديدة التي تسعى إلى ترسيخ الاستقرار ومحاربة النزعات الانفصالية.
ويعدّ هذا القرار الأممي التاريخي تتويجاً لمسار دبلوماسي رفيع المستوى يقوده الملك محمد السادس بحكمة وبعد نظر، والذي نجح في ترسيخ المقاربة المغربية لقضية الصحراء على الساحة الدولية، وفي كسب ثقة القوى الكبرى المؤثرة في صناعة القرار العالمي، وإقناعها بعدالة ووجاهة الموقف المغربي ومصداقية حلّ الحكم الذاتي.


