كسرت محكمة النقض بالرباط مسارا قضائيا استمر لأشهر، بعد أن قضت بإلغاء حكم استئنافي أدان أحد المتهمين بالحبس، بسبب خروقات خطيرة طالت سرية الاتصالات. حيث تبين أن ضابطا للشرطة القضائية قام بتفتيش هاتف المعني بالأمر دون إذن قضائي، مما اعتبر خرقا صريحا للفصل 23 من الدستور المغربي.
تفاصيل الملف تعود إلى اعتقال شخص وحجز هاتفه المحمول، قبل أن يعمد الضابط المكلف إلى فتح الجهاز والاطلاع على محتوياته الخاصة، من رسائل ومحادثات، دون أي إذن من سلطة قضائية مختصة، ما دفع الدفاع إلى تقديم دفع ببطلان المحضر باعتباره دليلا انتزع بطريقة غير قانونية.
رغم هذا الدفع، لم تتفاعل المحكمة الابتدائية مع المطالب، وقررت إدانة المتهم بسنتين حبسا نافذا، ليتم تأييد الحكم استئنافيا مع تخفيض العقوبة إلى ثلاثة أشهر فقط، دون أي جواب قانوني عن مسألة تفتيش الهاتف.
محكمة النقض رأت في هذا التجاهل نقصا جسيما في التعليل، معتبرة أن الحكم فقد مشروعيته القانونية، إذ أن الفصل 23 من الدستور واضح في تحريمه المساس بسرية الاتصالات، ولا يجيز ذلك إلا بإذن قضائي صريح.
في قرارها الصادر مؤخرا، أوضحت المحكمة أن محاضر الضابطة القضائية التي استندت إليها المحكمة لا يمكن اعتبارها حجة دامغة في حال ثبوت خروقات قانونية في جمعها. وأشارت إلى أن الولوج إلى البيانات الشخصية المخزنة في الهاتف دون إذن، يمثل انتهاكا لحقوق دستورية تضمنها الدولة للمواطن.
واستنادا إلى المادتين 365 و370 من قانون المسطرة الجنائية، خلصت محكمة النقض إلى أن الحكم الاستئنافي يشوبه نقصان في التعليل يعادل انعدامه، مما يجعله قابلا للنقض والإبطال.
بناء عليه، تم إحالة الملف من جديد إلى محكمة الاستئناف بالرباط، على هيئة مغايرة، من أجل إعادة النظر فيه وفق المقتضيات القانونية السليمة، مع تحميل الخزينة العامة الصائر.
هذا القرار يعيد إلى الواجهة مسألة حماية المعطيات الشخصية للمواطنين، ويطرح تساؤلات حول مدى احترام بعض أجهزة إنفاذ القانون للضوابط الدستورية في جمع الأدلة، ما يفرض نقاشا وطنيا حول حدود السلطة القانونية في العصر الرقمي.