في خطوة حاسمة لإنقاذ مشروع الغاز الطبيعي بشرق المغرب، راهنت شركة “ساوند إنرجي” على حسن سير برنامج الإنتاج والتطوير بحقل غاز تندرارة للوفاء بالتزامات مالية ثقيلة تبلغ ثلاثين مليون جنيه إسترليني. وجاءت مشاركة “مانا إنرجي”، التابعة لمجموعة “المدى”، نهاية سنة 2024 كمشغل جديد لمشروعي تندرارة وأنوال، لتكون بمثابة قاطرة حقيقية دفعت بعجلة المشروع المتعثر، الذي عانى من تأخر تجاوز السنتين بفعل الضائقة المالية التي عصفت بـ”ساوند إنرجي” قبل التخلي عن جزء من تراخيصها لصالح “ماناجم”.
ومع دخول “مانا إنرجي” كفاعل استراتيجي، لم يقتصر الدعم على الجانب المالي فقط، بل شمل أيضا الجانب الإداري. ومن أبرز القرارات الأولية التي اتخذتها، إعادة صياغة عقد “إيطالفلويد”، إذ تم تحويله من عقد إيجار تمويلي إلى عقد إنشاء وتجهيز وهندسة (EPC) لإنجاز وحدة تسييل الغاز بتندرارة. وبموجب هذا العقد الجديد، أصبحت “إيطالفلويد” ملزمة بتسليم وتشغيل الوحدة قبل نهاية العام، تحت طائلة عقوبات مالية في حالة التأخير.
وبحسب آخر المعطيات، تم فتح بئري الإنتاج، وتنظيفهما واختبارهما بنجاح، مما أكد جاهزية تدفق الغاز، وهو ما يدعم انطلاقة أولى الشحنات التجارية قبل متم سنة 2025. وتبشر الخريطة المحدثة للغاز الطبيعي المعتمدة خلال 2024 بثمار مبكرة، مع بدء إنتاج الغاز الطبيعي المسال في تندرارة هذا العام.
في السياق ذاته، أطلق قطاع الانتقال الطاقي طلب إبداء اهتمام لإنجاز أول محطة استقبال للغاز الطبيعي المسال بميناء “الناظور غرب المتوسط”، إلى جانب بناء محطة كهرباء بنظام الدورة المركبة مجاورة له، ومد خطين لربط الميناء ومحطة المحمدية بشبكة الغاز الوطنية.
الخطط التوسعية لا تتوقف هنا، إذ أن المرحلة الثانية لمشروع تندرارة، المقررة ابتداء من 2027، ستشمل ربطا إضافيا بأنبوب الغاز المغاربي، ما يتيح تزويد محطات الكهرباء المرتبطة به. وفي انتظار قرار الاستثمار النهائي، تعمل “مانا إنرجي” حاليا على إنهاء دراسة التصميم الهندسي FEED، لتوفير قاعدة بيانات دقيقة للانطلاق في التنفيذ قبيل نهاية 2025.
تندرارة وأنوال: التنقيب يتجدد وسط تحديات التمويل
وإذا التزم الأطراف بالآجال، فستغطي المرحلة الثانية وحدها حوالي 40٪ من احتياجات المغرب الحالية من الغاز، وهو رقم طموح يعزز مكانة المملكة في السوق الطاقي الإقليمي.
من جهة أخرى، يعود نشاط الاستكشاف بقوة في رخصتي تندرارة وأنوال، حيث تخطط “مانا إنرجي” لتمويل حفر بئرين رئيسيين: “SBK-1″ في تندرارة الكبرى، و”M5” في أنوال. وبحسب تصريحات غراهام ليون، فإن عمليات الحفر ستبدأ خلال أسبوعين، بانتظار تأكيد جاهزية منصات الحفر، مع احتمال التوسع لاحقا إلى حفر بئر ثالث “T4”.
وتظهر التحاليل أن بئر “SBK-1” يتمتع بإمكانيات عالية، بعدما سجل تدفقا بلغ 4.41 مليون قدم مكعب يوميا خلال تجارب أجريت سنة 2000. وتشير التقديرات إلى أن حجم الغاز القابل للاستخراج منه قد يصل إلى 3.9 مليارات متر مكعب بنسبة نجاح تقارب 50٪.
أما بئر “T4″، ورغم تأكيد وجود الغاز، إلا أن ضعف نفاذية الخزان حال دون تحقيق تدفقات تجارية سابقا، مما يجعل نجاح الحفر الإضافي مرهونا بتحسين خاصية الخزان. ويقدر احتياطي الغاز بهذا المكمن بنحو 7.6 مليارات متر مكعب.
في أنوال، يبدو الوضع أكثر مغامرة، إذ تخطط الشركتان لحفر بئر استكشافي “wildcat” بمعدلات نجاح تقنية لا تتجاوز 21٪، ولكن احتمالات الواقع ترفعها إلى 50٪ تقريبا، ما يفتح الباب لاحتمالات اكتشاف مهمة قد تكرر سيناريو حقل “بير الله” بموريتانيا.
على صعيد آخر، لا تزال الوضعية المالية لشركة “ساوند إنرجي” مقلقة. ففي منطقة سيدي المختار القريبة من الصويرة، تحتاج الشركة إلى 6 ملايين دولار لإنجاز دراسات زلزالية ثنائية الأبعاد، في مسعى لاختيار أهداف الحفر المناسبة. ومع عجزها عن تغطية هذا الاستثمار بمفردها، تبحث حاليا عن شريك لاقتسام التكاليف.
وفيما راجت بعض الشائعات حول نية الشركة الإدراج بالبورصة المغربية، سارعت “ساوند إنرجي” إلى نفي وجود أي خطط فورية بهذا الشأن، مع بقائها منفتحة على خيارات تمويل بديلة حال تحسنت الظروف السوقية.